على خالقه جل وعلا منذ مطلع كلامه، ويغريه بالأمر حلم الله عليه، وعدم وجود سلطة عادل في الأرض تحاسبه.
يقول - عليه من الله ما يستحق - في الصفحة (28) من كتابه:
"إن قولنا باحتضار الله في المجتمعات المتخلفة يشكل تمثيلاً رمزياً لحالة الثورة والفوران، وفقدان الجذور التي تعاينها هذه المجتمعات في محاولاتها الوصول إلى نوع من التعايش المرحلي بين الأفكار العلمية الجديدة وتطبيقاتها العملية والصناعية، وبين تراثها الديني السحيق، دون أن يتنازل كلياً ومرة واحدة عما في ماضيها من قيم غيبية. لذلك نسمع دائماً أصداء صرخة تقول: حتى لو سلمنا كلياً بالنظرة العلمية للأشياء ستبقى أمامنا مشكلة المصدر الأول لهذا الكون. لنفترض مع (رسل) أن الكون بدأ بسديم، ولكن العلم لا يقول لنا: من أين جاء هذا السديم، إنه لا يبين لنا من أين جاءت هذه المادة الأولى التي تطور منها كل شيء؟ فلا بد للعلم إذن من أن يتصل بالدين في نهاية المطاف. ولكن طرح السؤال بهذه الصورة يبين لنا مدى تحكم تربيتنا الدينية وتراثنا الغيبي في كل تكفيرنا. لنفترض أننا سلمنا بأن الله هو مصدر وجود المادة الأولى، هل يحل ذلك المشكلة؟ هل يجيب هذا الافتراض على سؤالنا عن مصدر السديم الأول؟ والجواب هو طبعاً بالنفي. أنت تسأل عن علة وجود السديم الأول وتجيب بأنها الله، وأنا أسألك بدوري وما علة وجود الله؟ وستجيبني بأن الله غير معلول الوجود، وهنا أجيبك، ولماذا لا نفترض أن المادة الأولى غير معلولة الوجود، وبذلك يُحسم النقاش دون اللجوء إلى عالم الغيبيات، وإلى كائنات روحية بحتة لا دليل لنا على وجودها، علماً بأن ميل الفلاسفة القدماء بما فيهم المسلمين كان دائماً نحو هذا الرأي إذ قالوا بقدم العالم، ولكنهم اضطروا للمداورة والمداراة بسبب التعصب الديني ضد هذه النظرة الفلسفية للموضوع (?) . في الواقع علينا أن نعترف بكل