يضاف إلى كل هذا أن المعارك السياسية الزمنية لها وجهات أنظار مختلفة، ومن العسير جداً تمييز جانب الحق فيها، وما أكثر ما ترى الغوغائية الجماهيرية رأياً أملته عليها الغوغائية الدعائية التي تنصر مذهباً اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً معيناً، وتدعم مصالح معينة، ثم يتبين بعد التجربة أن الرأي المناقض له كان هو الأحق بالاعتبار، وأن محاربته كان رعونة وطيشاً، وتورطاً في مزالق سياسية تكبد المنزلقين خسائر فادحة، وتحمِّلهم مصائب كثيرة، وقد تدفع بهم على أيدي أعدائهم ضحايا رعوناتهم، وعندئذ تجد جنود الأعداء الذين دفعوا بهم إلى هذه المزالق يطبلون ويزمرون ويرقصون على أجساد الضحايا.
أما زعمه: أن الدين أصبح اليوم الحليف الأول للأوضاع الاقتصادية الرأسمالية والبرجوازية، والمدفع الرئيسي عن عقيدة الملكية الخاصة وعن قداستها ... إلى آخر كلامه.
فالواقع أن هذا الكلام ليس فيه من النقد الفكري شيء، بل هو لون دعائي سياسي صحفي قائم على التضليل.
إن أي دارس للنظام الاقتصادي الإسلامي يعلم بداهة أنه نظام فذّ قائم بنفسه، فلا هو نظام رأسمالي يساير الأنظمة الرأسمالية في العالم، ولا هو نظام اشتراكي يساير الأنظمة الاشتراكية في العالم، ولكن قد تتلاقى الأنظمة الرأسمالية معه في بعض الجوانب، وقد تتلاقي الأنظمة الاشتراكية معه في بعض الجوانب، وينفرد الإسلام بمفاهيم خاصة وتنظيم كلي خاص، والشبه الجزئي لا يعني التبعية بحال من الأحوال.
وأما تحصن الرأسماليين بالإسلام فيشبه تحصن بعض الاشتراكيين به، وهو ليس حصناً في الحقيقة لهؤلاء ولا لهؤلاء، ولكن يتحارب الفريقان فيختبئ هؤلاء وراء جانب منه، ويختبئ أولئك وراء جانب آخر منه، وتتساقط بعض الضربات من هؤلاء وأولئك على الحصن الإسلامي زوراً وبهتاناً، ولو كان في الحصن الإسلامي جنود حقيقيون لخرجوا وقاتلوا الفريقين معاً، ولطردوهما عن جوانب الحصن.