الميراث وزر تخلف هذه الأمة، ووزر الهزيمة العسكية التي صنعتها التقدمية العربية بأيديها، سيراً مع المخطط المرسوم لها.
ومع أن الماركسيين كانوا مع الذين حملوا شعارات محاربة الاستعمار في الوطن العربي، إلا أن ذلك قد كان منهم خطة مرحلية، أما اليوم فالصهيونية العالمية ليست عدوة لهم، إن عدوهم الأكبر عقائد الإسلام ومبادئه، ومفاهيمه وتشريعاته، وما له من رصيد كبير في الجماهير العربية، لأن هذه هي العدو الأكبر لليهودية العالمية، ومن يسير في ركابها أو يتأثر بدسائسها.
قال الناقد (د. العظم) في كتابه "نقد الفكر الديني" في الصفحة (13) :
"قامت حركة التحرر بتجريد العلاقة الاستعمارية في حياة الوطن العربي عن جملة الظروف التاريخية، والأوضاع الاجتماعية العربية المتشابكة معها، والمحيطة بها إلى درجة جعلت "الاستعمار" يبدو وكأنه الحقيقة المباشرة الوحيدة الماثلة في مجرى الأحداث في المنطقة والمحركة لها. أي: كان هناك اختلال أساسي في التوازن بالنسبة لنظرة حركة التحرر إلى نفسها وواقع مجتمعها، وإلى أعدائها والعالم الخارجي المحيط بها، بصورة عامة. بالغت عملية التجريد هذه في تبسيطها للواقع التاريخي المعقد، مما جعل (الاستعمار) - أحياناً الصهيونية العالمية - يبدو وكأنه القوة الوحيدة المتحكمة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بحركة المجتمع العربي، وبالبيئة التي تثير ردود فعله. أدى هذا القصور إلى ما يشبه الإهمال التام لأوضاع القوى والمؤسسات والتنظيمات والمجهودات الذهنية الموجودة دوماً في التركيب الاجتماعي (العربي) والفاعلة باستمرار في حياته، والمهمة أيضاً في تحديد ردود فعله وأنماط سلوكه الجماعية والفردية. إن الوجه الآخر لعملة تجريد العلاقة الاستعمارية على هذا النحو هو التعصب للوهم المثالي الكبير القائل: بأن الأيديولوجيات الغيبية والفكر الديني الواعي الذي تفرزه مع ما يلتف حولها من قيم وعادات وتقاليد ... إلخ هي حصيلة للروح العربية الخالصة الثابتة عبر العصور، وليست أبداً تعبير عن أوضاع اقتصادية متحولة، أو قوى اجتماعية صاعدة تارة ونازلة تارة أخرى، أو بنيات طبقية خاضعة للتحول التاريخية المستمر، ولا تتمتع إلا بثبات نسبي".