ولكن مرضاً خطيراً من الأمراض التي تراكبت على الأمة الإسلامية في القرون المتأخرة هو الذي جعلني أعقد هذا الفصل، ألا وهو الشوائب الدخيلة التي عقلت بالتعاليم الإسلامية في مفاهيم كثير من المسلمين.
(3)
تأملات -ربما تكون غير مستقصية- من تأملات البحث العلمي، وضعت فيها إحدى يدي على الأسس الإسلامية العامة التي وعيتها خلال دراستي الطويلة للعلوم الإسلامية، ووضعت فيها يدي الأخرى على ما خبرته من واقع المسلمين خلال تجربة نيف وثلاثين سنة، جعلتني أتلمس الشوائب التي تسربت إلى مفاهيم المسلمين، فألصقها لجاهلون والغافلون بالتعاليم الإسلامية وهي ليست منها، وكان من وراء الجاهلين والغافلين في كثير من الأحيان ماكرون مختلفو الأصباغ والأقنعة والأغراض، يعملون في الخفاء لهدم الإسلام أسساً وقواعداً وبناءً شامخاً.
ثم تحولت هذه المفاهيم التي هي من قبيل الشوائب لا الأصل النافع المفيد الخيّر، إلى تطبيقات عملية، ومواريث ثقيلة، أحنت ظهور الأجيال التي تحملها، وعرقلت سبيل تقدمها، كما أنها هيأت المُناخ المناسب لفساد الأجيال التي حملت شعار التخلص منها على غير بصيرة وغير هدى، فتخلصت منها ومن الجوهر النافع، الذي هو الأصل السليم، المرافق لها في حشد المفاهيم المختلطة، وذلك إذ لم تستطع هذه الأجيال أن تميز بين الأصل النافع المفيد، وبين الشوائب التي لا خير فيها.
يضاف إلى ذلك أن طائفة من هذه الأجيال وجدت لأنفسها بسبب هذه الشوائب مبررات كثيرة تلبي عن طريقها الرغبة بالانطلاق والتحرر، والانسياق مع الأهواء والشهوات، دونما ضابط أو رادع.
وكان من وراء هذه الطائفة الطائشة شياطين يمدون خراطيمهم في الظلمات من ديار الحرب إلى ديار الإسلام، فيوسوسون لها، ويمنونها، ويكيدون في ذلك ضدها وضد الأمة الإسلامية ما يكيدون من شر عظيم.