ونظير ذلك استشهاده بقول الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول) :
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ... } .
ففي هذا النص يبين الله تعالى أن عقاب هؤلاء المخادعين هو من جنس عملهم، وفيه معنى آخر صرَّحت به الآية التي في أوائل سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ}
وهذا المعنى يتلخص بالحقيقة التالية: إن من يخدع من لا يُخدع إنما يخدع نفسه، فالمنافقون يتصورون بنفاقهم أنهم يخادعون الله، لكن الله تبارك وتعالى لا تنطلي عليه حيلهم، ولا تجوز عليه مخادعتهم، إنه يعلمهم تماماً ظاهراً وباطناً، ولكن بحكمته يمهلهم ويملي لهم، فيظنون أن خديعتهم قد نفذت، وأن حيلتهم قد انطلت، فيتابعون مسيرتهم الآثمة في الخداع، ثم يأخذهم الله بعقابه، يجازيهم بعدله، وعندئذٍ يتبين لهم أنهم لم يخدعوا الله، ولكنهم كانوا يخدعون أنفسهم، فأسلوب الله في معاملتهم جعل خديعتهم تنقلب عليهم، وفي هذا غاية العدل في الجزاء، وهو أن يكون عقاب الإنسان بيد نفسه، وأن يكون السلاح الذي قذفه على غيره ظالماً له ارتد عليه فأصابه بمثل القوة التي قذفه بها.
واستشهد الناقد بقول الله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :
{وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}
وقال في شرح هذا النص في الصفحة (122) من كتابه:
"كان قد شاء تدمير القرية، ولكن لئلا يكون للعباد عليه حجة فيما شاء لجأ إلى المكر، فأمر مترفيها أن يفسقوا حتى يبدو للجميع وكأن القرية استحقت ذلك التدمير. بينما الحقيقة غير ذلك" ...