حقاً لم اقتطع الكلام بعضه عن بعض، ولظل محتفظاً بالأمانة العلمية والنزاهة، لأنه يعلم أن مثل هذا الاقتطاع خيانة علمية تؤدي إلى التشويه وإفساد المعاني، حتى ولو كان هذا الباحث غير مؤمن بالكلام ولا بقائله، فأخلاق البحث العلمي لا تسمح بالتلاعب بالنصوص، لا بتغييرها، ولا بتحريف ألفاظها، ولا باقتطاع المترابطات وتجزئتها، ولا بتحريف معانيها وتشويهها، وتحويلها عن دلالاتها الأصلية المقصودة، ولا بأي شيء آخر مفسد لها.
فإذا قرأنا سوابق هذا النص الذي استشهد به (د. العظم) تغير المعنى القبيح الذي أراد أن يصوره، وحل محله معنى جميل دل عليه النص في واقع الأمر.
لقد تحدث الله عن المنافقين وعرض طائفة من صفاتهم وأفاض في بيان هذه الصفات، حتى أبان من صفاتهم صفة الاستهزاء بالذين آمنوا، فقال تعالى:
{وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُو?اآمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُو?اْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}
فالمنافقون هم الذين يعاملون الحق بالاستهزاء، فيتظاهرون بأنهم مع المؤمنين وهم بالحق وبالمؤمنين يستهزئون، لأن قلوبهم مع الكافرين.
وبما أن أعدل الجزاء وأوفاه هو ما كان من جنس العمل كانت الحكمة تقضي بإعلان أنهم معاقبون بالاستهزاء، جزاء استهزائهم، فقال تعالى:
{اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}
أي: يجازيهم جزاء استهزائهم فيعاقبهم عقاباً من جنس عملهم، وهذا غاية في العدل.
وهنا لا بد أن يلاحظ القارئ كيف شوّه سيادة الناقد ما هو غاية في العدل في ميادين الجزاء، فجعل الاستهزاء صفة من صفات الله تعالى في معاملة عباده، واقتطع النص عن سوابقه ولواحقه ليموِّه على قارئ كلامه، فيتشكك بالحقائق الدينية.