التربية الظاهرة، أفلا يرى من الخير الإصلاح ولده أن يدبر له وسيلة تربوية خفية يتَّعظ فيها بنفسه، حتى يستقيم ويرتدع؟
إن الأب في ذلك يمكر بولده مكراً محموداً، وهو بذلك يفعل خيراً.
وباستطاعتنا أن نصور المكر المحمود والمكر المذموم في قصة نتخيلها.
إنسان عنده قصر عظيم، طمع به اللصوص، فدبروا أمراً في الخفاء أن يأتوا بليل، ويحتفروا أحد جدران القصر ويدخلوا إليه، ويسطوا على ما فيه من مال ومتاع، ويقتلوا من فيه.
وعلم صاحب القصر بما دبروا، وعرف الجدار الذي عزما على نقبه، فدبر خطة في الجدار يهلكون فيها بأيديهم دون أن يقاتلهم أحد من رجال القصر.
ولما حان الوقت المقرر فيما بينهم جاءوا متسللين ظانين أن أحداً لا شيعر بهم، ولكن صاحب القصر وأعوانه يراقبون كل حركة من حركاته، وهم في مكان يرون فيه اللصوص من حيث لا يرونهم، وأخذ اللصوص ينقبون الجدار حسب الخطة المدبرة، ولما زعموا أنهم كادوا يظفرون بما يريدون انقضَّ عليهم الجدار فهلكوا تحت أنقاضه.
لقد مكروا بزعمهم ومكرهم شر، ولكن المكر في الحقيقة لصاحب القصر ومكره خير، لأن غرضه من مكره أن يمنعهم من فعل الشر، وأن يجازيهم عليه بأيديهم ويريح الناس من شرورهم.
وكذلك مكر الله، وهو خير الماكرين، لأنه لا يمكر إلا بخير، وسبحان الله وتعالى عما يصفون.
هذا ما يتعلق بصفة المكر، أما صفة الاستهزاء، فقد استشهد الناقد (د. العظم) لها بقول الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
{اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}
واقتطع هذا النص اقتطاعاً عن سياقه، وطوى الكلام الذي قبله ليضلل به، بعد أن يشوه المعنى المراد، ولو كان باحثا ًمنصفاً يريد أن يفهم المراد من النص