حدود الإدراك، ونحن نصل إلى حقائقها بواسطة الصور الذهنية. وأية صورة ذهنية لا يمكن أن تعكس لنا صوراً غير موجود البتة في الذهن. وهكذا لا يمكن للطبيعة 0باعتبار مجال عملها الحقيقي- أن تتناول الخصائص الخارجة عن حدود الإدراك، بل هي لا تقوم إلا بالدراسة بواسطة الآلات التي يمكن لعلمنا الإحاطة بها. صحيح أن هذه الدراسة تصور لنا بعض الخصائص لعمل الكون إلا أن معلوماتنا الأصلية تتعلق بالدراسة عن طريق الآلات، وليست بالخصائص نفسها. إن علاقة الدراسة عن طريق الآلات بالخصائص الحقيقية للأشياء تشبه علاقة رقم التليفون بصاحبه".
ما هذه العلاقة الضعيفة جداً بين الدراسات الطبيعية للأشياء وبين حقائق الأشياء؟
إن هذا العالم الطبيعي من كبار علماء القرن العشرين ليقلل كثيراً من قيمة الادعاءات العريضة التي كان يدَّعيها الماديون، والتي كانوا يزعمون فيها أن العلوم الطبيعية قد بلغت بدراساتها معرفة حقائق الأشياء أو كادت تصل إليها. إن علماء اليوم المنصفين قد بدأوا ينقضون هذه الأقوال ويستخفونها، ويعتبرونها تجاوزاً كبيراً للحدود التي بلغها علم الناس، وهؤلاء العلماء قد بدأوا يعلنون ما كان أعلنه القرآن عن مبلغ علم الناس بقوله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :
{ ... وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} .
ويقول البروفيسور (آرثر إيدينجتين) أيضاً:
"إن حقيقة "أن العلم محدود بالمعلومات عن هيكل الأشياء" حقيقة ذات أهمية قصوى. إنها تؤكد أن الحقيقة الكاملة لا تزال غير معروفة. وفي ضوء هذه الحقيقة لا يمكن الزعم الآن بأن أحاسيسنا أو تجربة اتصال النبي بالله ليس لهما مثيل موضوعي (خارجي) وذلك لأنه من الممكن جداً أن يكون هناك مثيل خارجي لهذه الأحاسيس، أو لتجربة النبي أو العارف بالله. ولم يعد من الممكن أن يقال عن أحاسيسنا الدينية أو الجمالية: إنها مجرد ظواهر خادعة كما كانوا يقولون بالأمس