ثم اتسعت دوائر المعرفة خلال القرن العشرين، فبدأت تنهار أسس الفكر الإلحادي القائم على تفسير الكون تفسيراً مادياً ميكانيكياً بحتاً، لدى كبار علماء الباحثين في مجالات المعارف الطبيعية الكونية.
لقد حل (أينشتاين) محل (نيوتن) ، كما أن العالمين (بلانك) و (هايزنبرج) قد أبطلا نظريات (لابلاس) ، وفقد معارضو الدين اليوم تلك المكانة التي كانت تسمح لهم بأن يستندوا إلى العلم لنقض أسس الدين.
إن نظرية النسبية وقاعدة الميكانيكا الكمية (كوانتم) قد أوصلتا العلماء إلى الاعتراف بأنه لا يمكن الفصل بين المشاهد والموضوع المشاهد، ومعناه أنه ليس في إمكاننا إلا أن نشاهد بعض المظاهر الخارجية من أي شيء، وأننا لا نستطيع أن نشاهد حقيقته الجوهرية.
وقد أصبح من الحقائق القطعية أننا لا نستطيع أن نهتدي إلى الوجود الأصلي لأي شيء فيما يتعلق بعلم الطبيعة، وأن كل ما يمكننا عمله هو بذل الجهد لمعرفة الهيكل الرياضي لذلك الشيء، وقد سلم العلماء على أعلى مستوى اليوم بأن الزعم بأننا نستطيع أن نشاهد الأشياء في صورتها النهائية لم يكن إلا وهماً وسراباً.
ويعتقد البروفيسور (آرثر إيدينجتين) "أن معرفة الهيكل الرياضي للشيء هي المعرفة الوحيدة التي يمكن لعلم الطبيعة أن يمنحنا إياها" (?) .
فقد جاء في مقال لهذا العالم ما يلي:
" ... بقطع النظر عن الجوانب الجمالية والأخلاقية والروحانية، فإن المادة والجوهر والبعد والوقت وغيرها من تلك الأشياء التي كانت تعتبر خاضع لعلم الطبيعة وحده قد أصبح من المتعذّّر علينا معرفة خصائصها، بقدر ما كان متعذراً معرفة خصائص الأشياء غير المادية. إن علم الطبيعة الجديد لم يعد في وضع يسمح له بالمعرفة المباشرة لخصائص الأشياء. إن حقيقة هذه الأشياء خارجة عن