إن ادعاء (د. العظم) بأننا لا نفهم شيئاً عن صفات الله تعالى وإلا وقعنا في التشبيه ادعاء باطل، ونستطيع بالتحليل العلمي أن نكشف بطلانه.
إن الطاقة الفكرية تستطيع أن تأخذ منطلقاتها في الاتجاه غير المحدود (اللانهائي) مهما كانت الحواس تشدها إلى الواقع المدرك المحدود، فالفكر يشاهد مثلا عن طريق الحواس الموجودات الحادثة، فيأخذ صورة صحيحة إلى تصور معنى الوجود الأزلي، وهو يُحسن أن يتصور من معنى الوجود الأزلي على مقدار وعائه، فيثبته لله تعالى ويطلقه من حدود المدركات بالحس، ويلاحظ الفكر الإنساني القدرات المادية التي ترفع الأرطال والقناطير وما هو بوزن الجبال، والقدرات غير المادية التي تفعل الأفعال العجيبة، فيأخذ صورة تجريدية صحيحة عن معنى القدرة أو الطاقة، ثم ينطلق منها في سلسلة التكامل الارتقائي إلى تصور قدرة فوق قدرة، وطاقة فوق طاقة، حتى يصل إلى تصور قدرة تخلق السماوات والأرض وتفعل كل ممكن، دون أن تعجز أو تضعف، فيثبت هذه القدرة لله، ويطلقها من حدود المدركات بالحس، بمقتضى أحكام سلسلة التكامل، التي لها في العقل أصول يمكن أن تبنى عليها مدركات غير محدودة، والعقل يحسن أن يتصور من معاني القدرة الكاملة على مقدار وعائه، وما زاد عن وعائه يقف دونه عاجزاً مسلماً، فهو بذلك قد فهم وأدرك على مقداره، وكان لوصف الله بأنه قدير معنى صحيح واضح في فكره وتأملاته.
ونقول نظير ذلك في الإرادة، وفي العلم، وفي السمع، وفي البصر، وفي الرحمة وفي العدل وهكذا.
ومغالطة التشبيه التي جاء بها (د. العظم) إنما جاء بها من الصفات الواردة في النصوص مما يوهم ظاهره التشبيه الجسدي، كالصفات التي تثبت لله وجهاً ويداً ونحو ذلك، فهذه هي التي جرى بين علماء المسلمين حول المراد منها، بين الإثبات من غير كيف، والتأويل والتفويض، ولكن هذه لا تؤثر على سائر الصفات التي لا خلاف في فهمها وإدراك معانيها.