فمن الغفلة الكبيرة والجهل بأصول المعرفة، إقامة الصراع والنزاع بين ما يأتي من المعارف الكونية عن طريق الدين، وما يأتي منها عن طريق الوسائل الإنسانية، مع أن هذه وتلك شواهد إلهية أقامها الله بين يدي الإنسان ليعرف بها الحقيقة، وهل يشهد الله شهادتين متناقضتين أو يضللنا سبحانه فيضع لنا وسيلتين تعطي كل منهما نتيجة مناقضة للأخرى في موضع واحد؟

هذا أمر لا يكون في حال من الأحوال، وحكمة الله العلي العليم الحكيم القدير تأباه.

وواجبنا لدى البحث عن الحقيقة أن نحرر تحريراً دقيقاً ما تأتينا به الوسائل الإنسانية من المعارف، وما يصلنا من أخبار الوحي.

وكل مظهر للتناقض بين ما تشهد به الوسائل الإنسانية للمعرفة وما تشهد به النصوص الدينية لا يعدو أحد الاحتمالات التالية:

1- إما أن يكون الذي نسب إلى العلم لم يصل إلى مرحلة العلم المقطوع به، كالنظريات التي لم تتأكد بعد، والتي ما زالت رهن البحث والنظر، أو التي لا سبيل إلى إثباتها بأدلة علمية يقينية، وإن اعتقدها العلماء الماديون لعدم وجود ما هو أقوى منها في نظرهم المادي البحت، ولأنه لا اختيار لهم بعد ذلك إلا التسليم بما جاء به الدين، وهم يرفضون نفسياً هذا الأخير.

2- وإما لأن الذي نسب إلى الدين لم يصل إلى درجة القطع في نقل النص الذي تضمنه.

3- وإما لأن الفهم الذي فُهم به النص الديني فهم خاطئ، وهذا الفهم لا يتحمل النص الديني وزر خطئه، وغنما يعبر عن رأي من فهمه على هذا الوجه المخالف للحقيقة العلمية، التي توصلت إليها الوسائل الإنسانية، كمسألة كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس.

وهنا نلاحظ أن النصرانية لما سقطت في طائفة من المفاهيم الباطلة الدخيلة على أصل الدين، والمخالفة له، والمناقضة لأصول العقل والعلم الصحيح،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015