الصحيحة التي تقصد أمراً واحداً لا بد أن توصل إلى غاية واحدة ونتيجة واحدة، أو غير متناقضة على أقل تقدير، إذ تتكامل الحقيقة مما قدمت هذه الطرق من مدركات، أو يعرف بها جزء من الحقيقة، على قدر ما استطاعت أن تكشف منها.
ثم إن الوحي الذي هو منحة من الله لعباده عن طريق النبوَّة هو أيضاً طريق من طرق المعرفة الصحيحة، فهو يقدم شهادة بالحقيقة، ومتى كان الخبر عن الوحي يقينياً مقطوعاً به فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يتناقض مع اليقين الذي تُوصل إليه الوسائل الإنسانية البحتة. ولو أمكن أن تتناقض لكان معنى ذلك أن الفاطر الحكيم لم يضع بين أيدينا الوسائل الصحيحة التي تكسبنا المعارف والعلوم الحقة، أو لم يصدقنا فيما أخبرنا به عن طريق الوحي، وكل من الأمرين مستحيل عقلاً وشرعاً.
فالله تبارك وتعالى جعل وسائل المعرفة فينا مسؤولية في ميدان المعرفة والبحث العلمي، ومسؤوليتها هذه رهن بأنها من الطرق الموصلة إلى الحقيقة، كما جعلنا مسؤولين عن التسليم بما يخبرنا به عن طريق الوحي، لأن برهان العقل قد قام لدينا بأن ما يخبرنا به الرسول عن طريق الوحي صدق وحق، والجامع بين الأمرين هو أن كلاً منهما يقدم شهادة بالحقيقة، وبما أن الحقيقة واحدة فإنه لا يمكن أن تتناقض نتائج الطرق الصحيحة الموصلة إليها، ومتى ظهر التناقض فلا بد أن يكون ذلك لخلل أصابها أو أصاب واحداً منها.
فمن الأمثلة ما يلي: لقد أخبرنا الله أنه لا إله إلا هو، وهذا خبر جاءنا به الوحي فقدم لنا شهادة بحقيقة وحدانية الخالق تبارك وتعالى، والبحث العلمي في هذا المجال لا بد أن يوصل إلى هذه الحقيقة نفسها، ولذلك قال الله تعالى في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول) :
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ..} .
فلدينا إذن حول هذه الحقيقة شهادة الله إذ أخبرنا بوحدانيته عن طريق الوحي والرسل، ولدينا أيضاً شهادة أولي العلم الذين توصلوا إلى هذه الحقيقة عن طريق البحث العلمي.