ويقول أيضاً: "إنه لا يمكن الادعاء بالقطعية (في النظريات أو الآراء) على النحو الذي سار عليه الفلاسفة المتسرعون بكثرة وبدون جدوى".
فمن هذه الأقوال المقتبسة مما كتب (رسل) نلاحظ أن فلسفته تعتمد على الاعتراف بأن العلوم متى تجاوزت منطقة المدركات الحسية فإنها لا تملك معارف يقينية، ولكن مع ذلك لا بد من قبول هذه المعارف التي يتوصل إليها بالاستنباط وإن لم تكن يقينية، لئلا تتعطل الحياة العلمية وتقف عن الإنجاز، إذ لا سبيل إلى اليقين فيها.
هذا هو مذهبه الفلسفي، فليس هو من الذين لا يقبلون إلا ما يدرك بالحس المباشر أو غير المباشر، وإنما يجعل ما يقبله من تفسيرات علمية مقبولاً بصفة ترجيحية، لضرورة العجز عن الوصول إلى اليقين.
فما الذي صده عن الإيمان بالله، والأدلةُ الاستنباطية الترجيحية عليه أقوى بكثير من التخيلات الأخرى التي يفسر بها الملحدون نشأة الكون وتطوره، ونشأة الحياة وتطورها؟
هنا تظهر عقدة الهوى والتعصب ضد الدين عند (رسل) وعند سائر الملحدين، وهذا التعصب لا تدعمه أدلة مرجحة لقضية الإلحاد، بل ليس للإلحاد في الحقيقة أي دليل غير مجرد سفسطات وتخيلات تقوم في رؤوس أصحابها فقط، إن التفسير البديل لقضية الإيمان بالخلق الرباني إنما هو فرضية الارتقاء وأزلية المادة، أما أزلية المادة فقضية مرفوضة علمياً، وأما الارتقاء فيعبر عنه السير "آرثر كيث" من علماء هذا العصر بقوله: "الارتقاء غير ثابت، ولا يمكن إثباته، ونحن نؤمن بهذه النظرية لأن البديل الوحيد هو (الإيمان) بالخلق المباشر، وهو أمر لا يمكن حتى التفكير فيه".
وإذا تساءلنا لماذا لا يمكن التفكير فيه؟ كان الجواب الوحيد: لأنه لا يسمح له هواه بأن يعترف بالله الخالق، وبأن يخضع له بعد ذلك خضوع العبادة والطاعة.
فتمرده وتمرد نظرائه تمرد المستكبرين المعاندين، لا ضلال الجاهلين الذين لم تكشف لهم أضواء المعرفة طريق الحق.