{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} .
إن هذا النص القرآني يكشف لنا عن حقيقة فكرية مهمة جداً، وهي أن مقتضيات العدل الإلهي توجب التسليم بأن التسوية في الجزاء بين الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا وعملوا الصالحات قضية مرفوضة حتماً، لأنها تتنافى مع صفتي عدل الله وحكمته الثابتتين بالدليل العقلي، والثابتتين أيضاً في ظواهر شتى من واقع حياتنا المدروسة، وإذا كانت هذه التسوية مرفوضة عقلاً فما بالنا نلاحظ في هذه الحياة أن كثيراً من الذين اجترحوا السيئات ينالون منها مثل ما ينال منها الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أو أكثر في بعض الأحيان، وأن كثيراً من الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد تتوالى عليهم المصائب والآلام؟ فأين تطبيق قواعد العدل والحكمة الإلهية؟
وهنا يأتي الجواب العقلي الذي لا يحتاج إلى بحث وتأمل كثيرين:
إن هذه الحياة ليست نهاية قصة حياة الإنسان، ولكنها فصل منها، ومرحلة قصيرة أعدت في برنامج الوجود الكبير لغاية الابتلاء، ولا بد حتماً من ظروف حياة أخرى تأتي بعد انتهاء هذه الحياة الدنيا التي أعدت للامتحان، وعندئذٍ تظهر تطبيقات قواعد العدل الألهي، وتظهر مراحل الجزاء، وهنا نبهنا هذا النص القرآني على أن تطبيق قواعد الجزاء يبدأ مع بداية مرحلة الموت، الذي هو عملية انفصال بين الروح المدركة المحسة، وبين الجسد الذي هو ثوب هذه الروح في حياتها الأولى.
ومع بداية هذه المرحلة الجديدة من وجود الإنسان تظهر الفوارق القائمة على العدل والحكمة بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات والذين اجترحوا السيئات.
إن ما لم يظهر اليوم في مرحلة الامتحان لا بد أن يظهر غداً في مراحل الجزاء.
فهذه الآية تشير إلى التطبيقات الجزائية التي تكون في مدّة الحياة البرزخية بعد الموت وقبل البعث، وهو ما يطلق عليه نعيم القبر وعذابه.