(د) النص الرابع:
قول الله تعالى في سورة (القيامة/75 مصحف/31 نزول) :
أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} .
من الواضح أن هذا النص يشتمل على المفتاح الفكري لاكتشاف الغاية من خلق الإنسان في هذه الحياة: {أيحسب الإنسان أن يترك سُدى؟!}
أي: إنه لم يُخلق في هذه الحياة ليأكل ويشرب، ويتمتع ويظلم، ويطغى ويفسد في الأرض، وينزل الآلام بالآخرين ويكفر بربه، ثم يترك سدى دون جزاء عادل، أو ليستقيم ويعمل الصالحات، ويعدل بين الناس ويحسن إليهم، ويمسح عنهم الآلام ويعبد ربه، ثم يترك سدى دون جزاء كريم.
إن هذا الظن من الإنسان لأمر عجيب، أفيظن ما لا يليق بعدل الخالق وحكمته؟ أفيظنُّ ظناً تقوم براهين العقل ودلائل الواقع على نقيضه؟
إن الإنسان في هذا الوجود لن يترك سدى بعد ظروف هذه الحياة التي يعيشها، والتي لو كانت نهاية قصة حياة الإنسان لكانت حياة لا معنى لها ولا مغزى.
وهل يليق بحكمة الخالق العظيم القادر العليم أن يخلق خلقاً باطلاً لا مغزى له؟ إن هذا ضرب من اللعب واللهو والعبث، والله تبارك وتعالى منزه عن ذلك، إن كل أمره جد لا هزل فيه.
وإذا ثبت بالدليل النظري أن الإنسان لن يترك سدى فلا بد من ظروف حياة غير هذه الحياة يتم فيها تحقيق الغاية من خلق الإنسان، ويتم فيها تطبيق قواعد الجزاء الرباني وفق مقتضيات الحكمة والعدل والكرم.
وحينما يبدأ الجاهل قصير النظر يشكُّ في قدرة الله على إعادة الإنسان إلى الحياة بعد الموت في النشأة الأخرى، فلينظر إلى واقع النشأة الأولى، إنها تعطيه برهاناً تجريبياً يثبت له أن من أنشأ النشأة الأولى قادر على أن ينشئ النشأة الأخرى، نشأة الإعادة، وهي في التحليل النظري أهون من نشأة الابتداء، وقد لفت