من جزائه، فلولا أن حياة أخرى غير هذه الحياة قد أعدت في برنامج المقادير الربانية لإقامة الجزاء الذي توجبه حكمة الخالق، لكانت النتيجة الحكم على الخالق بأنه قد رضي بأن يجعل المسلمين كالمجرمين سواء محياهم ومماتهم، وهذا يتنافى مع أصول العدل والحكمة الإلهية، لذلك فهو مرفوض عقلاً، ولما كان هذا الاحتمال مرفوضاً فإن الاحتمال المقابل له - وهو وجود الحياة الأخرى التي يتحقق فيها التمييز بين المسلمين والمجرمين - هو من الأمر الحتمي الذي لا مناص من اللجوء إلى إدراكه عقلاً، والتسليم به عقيدة، وهو طبعاً الاحتمال الذي قررته النصوص الدينية وأخبرت به.

وتفسير العملية كلها يتضح بأن هذه الحياة كلها لا تزيد على أنها مجال مفتوح لامتحان الناس على سواء، كقاعة الامتحان حينما يدخلها الدارسون المجدّون والهازلون الكسالى، والمتلاعبون الظالمون.

من المتحتم أن القصة لا تنتهي بانتهاء المدة الزمنية للامتحان، بل لا بد من زمن آخر تعلن فيه النتائج، وينال فيه كلٌّ على مقدار عمله.

فمن أجل ذلك جاءت الآية بصيغة الاستفهام الإنكاري {أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟ مالكم كيف تحكمون؟} دلالة على أن إنكار الحياة الأخرى وما فيها من جزاء يفضي إلى اتهام حكمةِ الخالق بالتسوية بين المسلمين والمجرمين، وهو أمر مرفوض رفضاً قطعياً، وقد تنزه الخالق عنه وتعالى علواً كبيراً.

إن أحدنا لا يقبل أن يُسوّي في أحكامه بين الظالم والمظلوم، أو بين المحسن والمسيء، أو بين المجدّ والكسول، أو بين العالم والجاهل، ولو فعل ذلك واحد منا لكان سِمةَ نقص كبير في أخلاقه. أفنكرِّم أنفسنا عنه ونرضاه للخالق جلَّ وعلا؟

إنه أمر مرفوض بداهة، ورفضه يعني حتمية اليوم الآخر والحياة الأخرى.

(ج) النص الثالث:

قول الله تعالى في سورة (الجاثية/45 مصحف/65 نزول) :

طور بواسطة نورين ميديا © 2015