{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ اله إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}
فهذا النص يكشف لنا أنه لو لم يكن وراء هذه الحياة التي تنتهي بالموت حياة أخرى، تكون فيها الرجعة إلى الله للحساب والجزاء وإقامة محكمة العدل والفضل الإلهية، لكانت عملية هذا الخلق ضرباً من العبث، والله تبارك وتعالى منزَّه عنه، فلا يكون في شيء من أفعاله وأحكامه وأوامره ونواهيه وشرائعه هذا العبث، بل لا بد في كل ذلك من غايات حكيمة تحددها إرادة الخالق المستندة إلى علمه المحيط بكل شيء، والجديةُ الصارمة هي المظهر البارز في كل أحداث الكون وقوانينه وسننه، وإشارة إلى كون الله منزَّهاً عن العبث في عمليات الخلق التي يجريها قال الله تعالى في هذا النص: {فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم}
ولما كان احتمال العبث احتمالاً مرفوضاً عقلياً كان لا بد من وجود حياة أخرى تظهر فيها تطبيقات الغاية من الحياة الأولى، وهذه الحياة لا بد أن تكون مقررة في برنامج المقادير الربانية، إن الله هو الملك الحق الذي لا إله إلا هو، وبهذا نلاحظ أن هذا النص قد أعطى الفكر الإنساني مفتاح البحث النظري لهذه الحقيقة.
(ب) النص الثاني:
قول الله تعالى في سورة (القلم/68 مصحف/2 نزول) :
{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}
من الواضح أن ظروف هذه الحياة التي نعيشها قد تسمح للمجرمين بأن يعيشوا فيها عيشاً رغداً ناعماً، يصيبون فيه المال والجاه والسلطان واللذات، كما قد تسمح للمسلمين أهل الاستقامة بمثل ذلك، وقد تسمح بأن يتمكن الفاجر من قتل التقي وظلمه وتعذيبه، واستلاب ماله والعدوان عليه في أرضه أو عرضه، وقد لا يلقى الفاجر جزاءً معجلاً على فجوره، بل قد يمهل وتأتيه منيَّته دون أن ينال شيئاً