{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ اله إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}
إن الوجود الإنساني كله عبر تاريخه الطويل يسمى مسرحية من مسرحيات العبث، لو أن حياة الإنسان تنتهي كلها في ظروف هذه الحياة الدنيا، ثم لا شيء وراءها.
أين تحقيق قانون العدل الإلهي في ظروف هذه الحياة الدنيا؟
إنه إذا لم يوجد فيها بصورة مستوفية فلا بد أن يوجد في يوم آخر وحياة أخرى أعدها الله للحساب والجزاء، وإلا كانت عملية خلق الإنسان على هذا الوجه المقرون بحرية الإرادة للإنسان، والتي كان من نتائجها تاريخ مشحون بالجرائم والظلم والعدوان والمصائب الكثيرة، عبثاً من العبث، وقد تعالى الله الملك الحق ذو الحكمة والعدل والكرم عن ذلك علواً كبيراً، لا إله إلا هو رب العرش الكريم.
إن المنطق الحق والضمير النقي ليشعر بداهة - ولو لم تتنزل آيات الوعد والوعيد، وأنباء اليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء - بأن مرحلة حياتية غير هذه المراحل لا بد أن يتم فيها تحقيق العدل الإلهي، ولا بد أن يلاقي الناس فيها جزاء أعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولئن كنا نشاهد أن بعض تطبيقات العدل الإلهي جارية في ظروف هذه الحياة الدنيا، ضمن سنن الله الثابتة، فإن الصورة الكاملة للعدل غير مستكملة في هذه الحياة، ولذلك كانت الضرورة الأخلاقية والإيمانية تقضي بأن نفهم أن الله قد أعدَّ ظروف حياة أخرى غير هذه الحياة، لإقامة عدله سبحانه.
وقد تأمل كثير من أهل الفكر والنظر في ظروف هذه الحياة الدنيا دون ملاحظة الآخرة وما فيها من جزاء، فرأوا أن تاريخ الإنسان فيها صور للجرائم والمصائب وتهريج لا جدوى منه، وسجل للجرائم والحماقة وخيبة الأمل، وقصة لا تعني شيئاً، ونحو ذلك.
قال فولتير: "إن التاريخ الإنساني ليس إلا صورة للجرائم والمصائب".