والأفضل من ذلك العودة إلى مناظرتهم حول الأساس الأول، وهو قضية الإيمان بالله تبارك وتعالى.
لكنهم متى قبلوا التسليم الكلي أو الجزئي بعقيدة الإيمان بالله تعالى فإننا حينئذ نستطيع أن نجد سبلاً متعددة لمناقشتهم، ونستطيع أن نقدم لهم المبررات العلمية والعقلية، التي تدعم قضية الإيمان بالحياة الآخرة والدار الآخرة للحساب والجزاء.
إن الحقائق الكبرى في الوجود تبدأ من منطلق واحد، وحين يتعذر الاتفاق على هذا المنطلق فإن الاتفاق على ما يبنى عليه أكثر تعذراً، بل قد يغدو أمراً مستحيلاً.
إن من لا يؤمن أساساً بقانون العدد من الواحد فما فوق من المستحيل منطقياً مناقشته في قواعد الأعمال الحسابية. ومن هو مصاب بعمى الألوان فهو لا يرى أياً منها ويجحدها يستحيل مناقشته في أجمل الألوان وأكثرها إرضاء للذوق. ومن يجحد مبدأ الحق من أساسه يغدو من العبث مناقشته ومناظرته حول حق المال، أو حق الحياة، أو حق العرض والكرامة، أو أي فرع من فروع الحق. ومن يجحد مبدأ الخير والفضيلة من أساسه يستحيل مناظرته حول فروع الخير والفضيلة، ما لم يكن متناقضاً مع نفسه، يسلِّم ببعض الفروع دون أن يسلِّم بالأصول وبالفروع الأخرى، وحينئذ يمكن جذبه عن طريق الإلزام، ونقله من الفروع التي يسلم بها إلى الأصول، وهذا من أساليب المناظرة البارعة.
(2)
أما الذين يسلِّمون تسليماً كلياً أو جزئياً بعقيدة الإيمان بالله تعالى، إلا أنهم ينكرون البعث والحياة الأخرى، أو يشكُّون بذلك، فإننا نستطيع أن نقيم لهم عدداً من الأدلة، ونناقشهم بجملة من المناقشات.
ومفتاح الأدلة النظرية لهذا الموضوع موجود في قول الله تعالى في سورة (المؤمنون/23 مصحف/74 نزول) :