الكثافة بميزان الحرارة، أو قيس مقدار الذكاء بمساحة الجمجمة، أو يزن بحور الشعر بالسانتمتر.

ما هو مبلغُ إنكار أي فيلسوف من الصحة إذا هو أنكر قراراً أصدرته دولة كبيرة قادرة، بأنها ستنشئ في برنامج خطتها لربع قرن مدينة نموذجية بديعة جداً، لا تُسكن فيها إلا الطبقة الصالحة الراقية من شبعها، وستنشئ سجوناً إصلاحية أو تأديبية تخصصها للجانحين والخارجين على قوانين الدولة؟!

فإذا قال فيلسوف كبير: لا أجد مبرراً عقلياً أو علمياً يؤكد أن منشأتين من هذا القبيل ستحدثان، أفيكون كلامه مقبولاً عند العقلاء الذين علموا بقرار الدولة؟

من البدهي أن استدلال (رسل) استدلال غير منطقي وغير علمي، وكشف هذا الزيف لا يحتاج إلى فلسفة راقية، وإنما تكفي فيه البديهة العقلية المسلّمة عند جميع العقلاء، وكان الأولى له أن يبني إنكاره لقضية الحياة بعد الموت والدار الآخرة على إنكاره لخالق الكون، فبما أنه جحد الأساس الأول فكل ما يأتي عنه من أنباء وأخبار وقرارات وأحكام مرفوض من وجهة نظره، وعندئذ تكون معالجته من مواقع هذا الأساس، لا مما يتفرع عنه ويبنى عليه.

واعتباره عقيدة اليوم الآخر والدار الآخرة ناشئة عن الصدى الانفعالي الذي يحدثه الخوف من الموت، إنما هو ثمرة من ثمرات جحوده للخالق، وتخيُّله أن هذا الكون كله، وما فيه من نظم رفيعة معقدة جداً، وما ظهر فيه من حياة وفكر، إنما هو نتيجة مصادفات عثرت عليها حركات ذرات الكون العشوائية، فهذه الحركات العشوائية تولَّد عنها هذا النظام البديع، وهذا الوجود كله خال من أي أثر لعقل محرِّك، وحياة ذات إرادة وخلق وتدبير.

فلما كان هذا الكون كله كذلك من وجهة نظره الملحدة الكافرة بالله الخالق المدبر الحكيم، كان طبيعياً أن لا يجد هذا الكون المادي الجاهل الأعمى الخالي من كل تدبير حكيم عليم مهتماً بالآمال والرغبات التي تقوم في نفوس الناس، ولذلك قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015