لا بد أن نضع هذا الكلام للفيلسوف الإنكليزي الملحد تحت مناظير البحث المنطقي والعلمي، لنرى قيمته من الوجهة العقلية والعلمية.

ليس غريباً على (رسل) بعد أن اختار سبيل الإلحاد بالله، واعتبار الكون ظاهرة مادية بحتة، على خلاف ما قدمته الأدلة العلمية والعقلية في هذا المضمار، أن يصعب عليه - في الإطار المادي البحت - اكتشاف المبرر العقلي لاستمرار الحياة بعد الموت.

وليس غريباً عليه بعد ذلك أيضاً أن لا يجد لعقيدة الحياة بعد الموت، وعقيدة الدار الآخرة للحساب والجزاء، مرتكزاً علمياً يستند إليه.

نعم، إن من ينكر حياة كائن ما بغير دليل يجد من الصعب عليه أن يكتشف المبرر العقلي لوجود إرادة لهذا الكون، لأن إرادته فرع لتصور حياته، وبعد إنكار الأصل يكون إنكار الفرع شيئاً طبيعياً، ومذهباً سهلاً، لكن هذا الإنكار لا يعبر عن الواقع بحال من الأحوال.

إن الإيمان بالحياة بعد الموت للحساب والجزاء في دار غير هذه الدار قضية خبرية، أي: ذات مستند خبري، وليست قضية عقلية بحتة حتى نَبْحث في نطاق العقل عن دليل يدلُّ عليها دون الاستناد إلى الإيمان بالله. فلو أن عالماً من علماء الحيوان تحدث عن وجود حيوان بري غريب رآه بعينيه، وأخذ يصف مشاهداته الحسية له، ثم جاء سمَّاك فقال: لا أجد المبرر العقلي لوجود هذا الحيوان الغريب الذي يتحدث عنه هذا العالم، لما كان كلامه أكثر سقوطاً من ناحية الاستدلال العلمي والعقلي من كلام (رسل) إذ أنكر وجود الحياة بعد الموت، في ظروف غير ظروف هذه الحياة الدنيا، على الرغم من أن هذا الرجل فيلسوف وعالم واسع الاطلاع، إلا أن الهوى قد يحوّل عقل الفيلسوف الكبير إلى عقل السمّاك.

لقد أراد (رسل) أن يخضع الدار الآخرة والحياة الأخرى للمقاييس التجريبية التي تخضع لها ظواهر هذا الكون المادية، في ظروف الحياة الدنيا التي نعيش الآن فيها، مع أن الدار الآخرة والحياة الأخرى لا تخضع بطبيعتها لهذه المقاييس.

إن (رسل) بقياسه هذا يشبه من يزن الضغط الجوي بميزان البقال، أو يزن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015