وما ساق من جدليات مختلفة لم يحتوِ على شيء مما يدعم بصدق هذا الزعم، أو يقدم لصاحبه عذراً فكرياً مقبولاً عند الله أو عند العقلاء من الناس.

ثم لا يقتصر على الاعتراف الضمني بوجود الفطرة النزاعة إلى الإيمان، بل يرتقي إلى الاعتراف الصريح بوجود الشعور الديني في الفطرة الإنسانية، ولكنه لا يحاول أن يجد طريقاً لتنفيس هذا الشعور وتلبيته بألوان من التعويض الذي لا يسد مسداً صحيحاً، أو بلون من ألوان الوثنية.

يقول في الصفحة (78) من كتابه:

" هذا لا يعني أنني أريد نسخ الشعور الديني في تجارب الإنسان من الوجود ".

أي: ما سبق في كلامه من توجيهه حربه الشعواء على الدين، لا يعني أن الشعور الديني غير موجود بصفة أصيلة في الفطرة الإنسانية بل هذا الشعور موجود، وهو ينزع في داخل النفس الإنسانية نزوع الدوافع الفطرية الأصيلة، التي تتطلب تلبية نفسية وروحية ومادية، وتلبية هذا الشعور يكون بالإيمان والعبادة.

لكن (العظم) يعترف بوجود هذا الشعور الديني، ويحاول عزله عن التلبية الصحيحة، إذ يُغرية بأوهام لا تُلبي دوافعه تلبية صحيحة، فيصرفه عن عبادة الله الحق إلى أوهام عبادات وثنية مختلفة يخترعها له، كعبادة الجمال، أو عبادة البحث عن الحقيقة، أو عبادة الأهواء والشهوات، أو عبادة مطالب الحياة والأعمال المؤدية إليها، ويلحق بذلك عبادة القادة والأسياد، وعبادة الأحزاب، وعبادة الشياطين.

وفي هذا يقول متابعاً كلامه:

"يجب تحرير هذا الشعوب الديني من سجنه، ليزدهر ويعبر عن نفسه بطرق ووسائل مناسبة للأوضاع والأحوال التي نعيشها في حضارة القرن العشرين. لذلك علينا أن نتنازل عن الفكرة التقليدية القائلة بوجود شيء كحقيقة دينية خاصة، وأن نوجه اهتمامنا نحو الشعور الديني المتحرر من هذه الأعباء والأثقال".

إنه بهذا يريد أن يُرجع الناس إلى الجاهلية الأولى، وإلى عبادة الأوثان، وبعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015