ينصحْك مَن كذبك ولم يغشّك مَنْ صدّقك، لا تجرّئ القوادَ على الخلع فيخلعوك، ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك، فإنّ الغادر مخذول، والناكث مفلول. وأقبل عليّ بن عيسى بن ماهان، فتبسم محمد، ثم قال: لكن شيخ هذه الدعوة، وناب هذه الدولة لا يخالف على إمامه، ولا يوهِن طاعتَه، ثم رفعه إلى موضع لم أره رفعه إليه فيما مضى، فيقال: إنه أوّل القوّاد أجاب إلى خلْع عبد الله، وتابع محمدًا على رأيه (?).
قال أبو جعفر: ولما عزم محمد على خَلْع عبد الله، قال له الفضل بن الربيع: ألا تُعذِر إليه يا أميرَ المؤمنين فإنه أخوك، ولعله يسلم هذا الأمر في عافية، فتكون قد كُفيِت مؤونته، وسلِمْت من محاربته ومعاندته! قال: فأفعل ماذا؟ قال: تكتب إليه كتابًا، تستطيب به نفسَه، وتسكِّن وحشته، وتسأله الصَّفْح لك عمّا في يده، فإنّ ذلك أبلغُ في التدبير، وأحسن في القالَة من مكاثرته بالجنود، ومعالجته بالكيد. فقال له: أعمل في ذلك برأيك. فلما حضر إسماعيل بن صُبَيح للكتاب إلى عبد الله قال: يا أميرَ المؤمنين، إن مسألتك الصَّفْح عما في يديه توليد للظنّ، وتقوية للتهمة، ومدعاة للحَذر، ولكن اكتب إليه فأعِلْمه حاجتَك إليه، وما تحبّ من قربه والاستعانة برأيه، وسلْه القدوم إليك، فإن ذلك أبلغُ وأحرىَ أن يبلغ فيما يوجب طاعتَه وإجابته. فقال الفضل: القول ما قال يا أمير المؤمنين، قال: فليكتب بما رأى (?). قال: فكتب إليه: