ثم إنك قد علمتَ الحال التي كنا عليها في ولاية الظلَمة، كيف كانت قوّتنا وحيلتُنا، لما اجترأ عليه أهل بيت اللعنة فيما أحببنا وكرهنا، فصبرنا أنفسنا على ما دعونا إليه من تسليم الأمور إلى من أسندوها إليه، واجتمع رأيُهم عليه، نُسام الخسف، ونوطأ بالعسْف، لا ندفعُ ظلمًا، ولا نمنع ضيمًا، ولا نعطي حقًّا، ولا ننكر منكرًا، ولا نستطيع لها ولا لأنفسنا نفعًا، حتى إذا بلغ الكتابُ أجلَه، وانتهى الأمر إلى مدّته، وأذن الله في هلاك عدوه، وارتاح بالرّحمة لأهل بيت نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ فابتعث الله لهم أنصارًا يطلبون بثأرهم، ويجاهدون عَدُوّهم، ويدعون إلى حبّهم، وينصرون دولَتهم، من أرضين متفرّقة، وأسباب مختلفة، وأهواء مؤتلفة، فجمعهم الله على طاعتنا، وألّف بين قلوبهم بمودّتنا على نصرتنا، وأعزّهم بنصرنا، لم نلق منهم رجلًا، ولم نشهر معهم إلا ما قذف الله في قلوبهم؛ حتى ابتعثهم لنا من بلادهم، ببصائر نافذة، وطاعة خالصة، يلقوْن الظّفَر، ويعودون بالنصر، ويمصَرون بالرّعب، لا يلقون أحدًا إلا هَزَمُوه، ولا واترًا إلا قتلوه؛ حتى بلغ الله بنا بذلك أقصى مدانا وغاية منانا ومنتهى آمالنا وإظهار حقنا، وإهلاك عدوّنا؛ كرامةً من الله جلّ وعزّ لنا، وفضلًا منه علينا، بغير حوْل منا ولا قوّة، ثم لم نَزلْ من ذلك في نعمة الله وفضله علينا، حتى نشأ هذا الغلام، فقذف الله له في قلوب أنصار الدّين الذين ابتعثهم لنا مثل ابتدائه لنا أوّل أمرنا، وأشرب قلوبهم مودّتَه، وقسم في صدورهم محبّته، فصاروا لا يذكرون إلّا فضله، ولا ينوّهون إلا باسمه، ولا يعرفون إلّا حقه، فلمّا رأى أمير المؤمنين ما قذف الله في قلوبهم من مودته، وأجرى على ألسنتهم من ذكره، ومعرفتهم إياه بعلاماته واسمه، ودعاء العامة إلى طاعته، أيقنتْ نفس أمير المؤمنين أنّ ذلك أمر تولّاه الله وصنَعه؛ لم يكن للعباد فيه أمر ولا قدرة، ولا مؤامرة ولا مذاكرة؛ للّذي رأى أمير المؤمنين مِن اجتماع الكلمة، وتتابع العامّة؛ حتى ظن أمير المؤجمنين أنه لولا معرفة المهديّ بحق الأبوّة، لأفضت الأمور إليه. وكان أمير المؤمنين لا يمنع مما اجتمعت عليه العامّة، ولا يجد مناصًا عن خلاص ما دعوا إليه، وكان أشدّ الناس على أمير المؤمنين في ذلك الأقرب فالأقرب من خاصّته وثقاته من حرسه وشرطه؛ فلم يجد أمير المؤمنين بدًّا من استصلاحهم ومتابعتهم؛ وكان أمير المؤمنين وأهل بيته أحقّ مَنْ سارع إلى ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015