الأمر عبدٌ من عبيدي، فكيف بابني! فها أنا أشهدك أنّ نسائي طوالق ومماليكي أحرار، وما أملك في سبيل الله، تصرف ذلك فيمن رأيت يا أمير المؤمنين؛ وهذه يدي بالبيعة للمهديّ. فأخذ بيعته له على ما أحبّ ثم قال: يا أبا موسى؛ إنك قد قضيتَ حاجتي هذه كارهًا، ولي حاجة أحبّ أن تقضيها طائعًا فتغسل بها ما في نفسي من الحاجة الأولى، قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: تجعل هذا الأمر من بعد المهديّ لك، قال: ما كنتُ لأدخل فيها بعد إذ خرجت منها. فلم يدَعْه هو ومَنْ حضره من أهل بيته حتى قال: يا أميرَ المؤمنين؛ أنت أعلم. فقال بعض أهل الكوفة - ومرّ عليه عيسى في موكبه: هذا الذي كان غدًا، فصار بعد غدٍ.

وهذه القصة - فيما قيل - منسوبة إلى آل عيسى أنهم يقولونها (?).

وأما الذي يحكى عن غيرهم في ذلك؛ فهو أنّ المنصور أراد البَيْعة للمهديّ، فكلّم الجُنْد في ذلك؛ فكانوا إذا رأوْا عيسى راكبًا أسمعوه ما كرِه، فشكا ذلك إلى المنصور، فقال للجند: لا تؤذوا ابن أخي؛ فإنه جِلْدة بين عينيّ، ولو كنتُ تقدّمت إليكم لضربت أعناقكم؛ فكانوا يكفّون ثم يعودون؛ فمكث بذلك زمانًا، ثم كتب إلى عيسى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. من عبد الله عبد الله المنصور أمير المؤمنين إلى عيسى بن موسى. سلالم عليك، فإنّي أحمدُ إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد؛ فالحمد لله ذي المنّ القديم، والفضل العظيم، والبلاء الحَسن الجميل، الذي ابتدأ الخلق بعلْمه، وأنفذ القضاء بأمره؛ فلا يبلغ مخلوقٌ كنهَ حقّه، ولا ينال في عظمته كُنْهَ ذكره، يدبِّر ما أراد من الأمور بقدْرته، ويصدرها عن مشيئته؛ لا قاضي فيها غيره، ولا نفاذ لها إلا به، يجريها على أذلالها؛ لا يستأمر فيها وزيرًا، ولا يشاور فيها معينًا، ولا يلتبس عليه شيء أراده، يمضي قضاؤه فيما أحبّ العباد وكرهوا؛ لا يستطيعون منه امتناعًا، ولا عن أنفسهم دفاعًا، ربّ الأرض ومَنْ عليها، له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015