يدّعيه عليك علانية ثم يُقيدك به. قال: فما الرأي؟ قال: الرأي أن تستره في منزلك، فلا تطلِعْ على أمره أحدًا، فإن طلبه منك علانيةً دفعتَه إليه علانية، ولا تدفعه إليه سرًّا أبدًا؛ فإنه وإن كان أسرّه إليك؛ فإن أمره سيظهر. ففعل ذلك عيسى.
وقدم المنصور ودسّ إلى عُمومته مَنْ يحرّكهم على مسألته هبةَ عبد الله بن عليّ لهم، ويطمعهم في أنه سيفعل. فجاءوا إليه وكلموه ورقّقوه، وذكروا له الرّحِم، وأظهروا له رِقة، فقال: نعم، عليّ بعيسى بن موسى؛ فأتاه فقال له: يا عيسى؛ قد علمتَ أني دفعت إليك عمّي وعمك عبد الله بن عليّ قبل خروجي إلى الحجّ، وأمرتك أن يكون في منزلك، قال: قد فعلتُ ذلك يا أمير المؤمنين، قال: فقد كلمني عمومتك فيه، فرأيتُ الصّفح عنه وتخليةَ سبيله؛ فأتنا به. فقال: يا أميرَ المؤمنين، ألم تأمرني بقتله فقتلته! قال: ما أمرتُك بقتله، إنما أمرتك بحبسه في منزلك. قال: قد أمرتني بقتله، قال له المنصور: كذبت، ما أمرتك بقتله. ثم قال لعمومته: إنّ هذا قد أقرّ لكم بقتْل أخيكم، وادّعى أني أمرته بذلك، وقد كذَب، قالوا: فادفعه إلينا نقتله به، قال: شأنكم به، فأخرجوه إلى الرَّحَبَة، واجتمع الناس، وشُهر الأمر، فقام أحدهم فشهر سيفه، وتقدّم إلى عيسى ليضربَه، فقال له عيسى: أفاعل أنت؟ قال: إي والله، قال: لا تعجلوا، ردّوني إلى أمير المؤمنين، فردّوه إليه، فقال: إنما أردت بقتله أن تقتلني؛ هذا عمُّك حيٌّ سوِيٌّ، إن أمرتَني بدفعه إليك دفعتُه. قال: ائتنا به، فأتاه به، فقال له عيسى: دبَّرتَ عليّ أمرًا فخشيتُه؛ فكان كما خشيت؛ شأنَك وعمَّك. قال: يدخل حتى أرى رأي. ثم انصرفوا، ثم أمر به فجُعل في بيت أساسه مِلْح، وأجري في أساسه الماء، فسقط عليه فمات؛ فكان من أمره ما كان. وتوفِّيَ عبد الله بن عليّ في هذه السنة ودفن في مقابر باب الشام، فكان أول من دفن فيها.
وذُكر عن إبراهيم بن عيسى بن المنصور بن بُرَيْه أنه قال: كانت وفاة عبد الله بن عليّ في الحبس سنة سبع وأربعين ومائة، وهو ابن اثنتين وخمسين سنة (?).