صلْتُ الجبين طويلُ الباع ذو فُرَحٍ ... ضخْمُ الدَّسيعَة لا وَانٍ ولا غمُرُ
مُجَرّبُ الحربِ ميمونٌ نَقِيبتُهُ ... لا يُسْتَخفُّ ولا من رأيهِ البَطَرُ
وفي ثلاثِ سنين يَستدِيمُ بنا ... يقارعُ الحربَ أَطوارًا ويأْتمرُ
يقولُ إن غَدًا مُبْدٍ لناظرهِ ... وفي الليالي وفي الأيام مُعْتَبرُ
دعوا التَّتابُعَ والإِسراع وارتَقبُوا ... إنَّ المُحارِبَ يَستأنِي وينتظرُ
حتى أتته أمورٌ عندها فرجٌ ... وقد تبيَّن ما يأْتي وما يذَرُ
لما زَوَاهمْ إلى كَرمانَ وانصدعوا ... وقد تقاربتِ الآجالُ والقدرُ
سرنا إليهم بمثل الموج وازدَلَفوا ... وقبلَ ذلك كانت بينَنا مِئرُ
وزادَنا حَنقًا قَتلَى نُذَكّرُها ... لا تَسْتَفِيقُ عيونٌ كلَّما ذُكِرُوا
إذا ذكَرنا جَرُوزًا والذينَ بها ... قتلى مضى لهمُ حولانِ ما قُبِرُوا
تأْتي علينا حَزازَاتُ النفوسِ فما ... نبقِي عليهم وما يبقون إن قَدَرُوا
ولا يُقِيلونَنَا في الحرب عثرَتَنا ... ولا نقيلُهمُ يومًا إذا عثَرُوا
لا عُذْرَ يُقبَلُ منَّا دون أنفسِنا ... ولا لهم عندنا عذرٌ لوِ اعتذَروا
صفَّانِ بالقاع كالطَّودينِ بينهما ... كالبرقِ يَلمعُ حتى يَشْخَصَ البصَرُ
على بصائرَ كلٌّ غيرُ تارِكها ... كلَا الفريقين تُتلى فيهم السُّوَرُ
يَمشون في البَيض والأبدان إذ وردُوا ... مشْي الزوامل تهدي صفَّهمُ زُمَرُ
وشيخنا حوله منَا مُلمْلَمةٌ ... حيٌّ من الأَزْد فيما نابَهُمْ صبُرُ
في موطنٍ يقطعُ الأَبطال مَنظَرُهُ ... تُشاطُ فيه نُفوسٌ حين تَبتكر
ما زال منَّا رجالٌ ثمَّ نَضْرِبهُمْ ... بالمشرفيّ ونارُ الحرب تَسْتَعِرُ
وباد كلُّ سلاحٍ يُستعان به ... في حومة الموت إلا الصارم الذَّكَرُ
ندُوسُهمْ بعَناجيجٍ مُجَفَّفَةٍ ... وبيننا ثَمَّ من صُمِّ القَنا كِسَرُ
يغشَيْنَ قتلى وعقرَى ما بها رَمَقٌ ... كأَنما فوقها الجاديُّ يُعتَصرُ
قتلى بقتلى قِصاصٌ يُستقادُ بها ... تَشفِي صُدُورَ رجال طالما وُتِرُوا
مُجاورينَ بها خَيلًا مُعَقَّرَةً ... للطيرِ فيها وفي أَجسادهم جَزَرُ
في معرَكٍ تَحْسَبُ القتلى بساحَته ... أعجازَ نخلٍ زَفَتْهُ الريحُ يَنعقِرُ
وفي مواطِنَ قبلَ اليومِ قد سَلَفتْ ... قد كان للأَزد فيها الحمدُ والظَّفَر