فلما قضى إبراهيمُ قراءة الكتاب، قال: لقد كتب إليّ ابنُ الحنفيَّة؛ وقد كتبتُ إليه قبل اليوم؛ فما كان يكتب إليّ إلا باسمه واسم أبيه، قال له المختار: إنّ ذلك زمان وهذا زمان، قال إبراهيم: فمَنْ يعلم أن هذا كتاب ابن الحنفيَّة إليّ؟ فقال له: يزيد بن أنس وأحمر بن شميط وعبد الله بن كامل وجماعتهم - قال الشعبيّ: إلّا أنا وأبي - فقالوا: نشهد أنّ هذا كتاب محمد ابن عليّ إليك، فتأخر إبراهيم عند ذلك عن صدر الفراش فأجلس المختار عليه، فقال: ابسط يدك أبايعْك، فبسط المختار يده فبايعه إبراهيم، ودعا لنا بفاكهة، فأصبنا منها؛ ودعا لنا بشراب من عسل فشربنا ثم نهضنا؛ وخرج معنا ابنُ الأشتر؛ فركب مع المختار حتى دخل رحله؛ فلما رجع إبراهيم منصرفًا أخذ بيدي، فقال: انصرف بنا يا شعبيّ، قال: فانصرفت معه ومضى بي حتى دخل بي رحله، فقال: يا شعبيّ، إني قد حفظت أنَّك لم تشهد أنت ولا أبوك؛ أفترى هؤلاء شهدوا على حقّ؟ قال: قلت له: قد شهدوا على ما رأيت وهم سادة القرّاء ومشيخة المصْر وفرسان العرب، ولا أرى مثل هؤلاء يقولون إلا حقًّا، قال: فقلت له هذه المقالة؛ وأنا والله لهم على شهادتهم متّهَمٌ؛ غير أني يعجبني الخروج وأنا أرى رأي القوم؛ وأحبّ تمام ذلك الأمر؛ فلم أطلعه على ما في نفسي من ذلك؛ فقال لي ابن الأشتر: اكتبْ لي أسماءهم فإني ليس كلَّهم أعرف. ودعا بصحيفة ودواة، وكتب فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما شهد عليه السائب بن مالك الأشعريّ، ويزيد بن أنس الأسديّ وأحمر بن شميط الأحمسيّ ومالك بن عمرو النهديّ؛ حتى أتى على أسماء القوم؛ ثم كتب: شهدوا أن محمد بن عليّ كتب إلى إبراهيم بن الأشتر يأمره بمؤازرة المختار ومظاهرته على قتال المحِلّين، والطلب بدماء أهل البيت، وشهد على هؤلاء النَّفر الذين شهدوا على هذه الشهادة شَراحيل بن عبد - وهو أبو عامر الشعبيّ الفقيه - وعبد الرحمن بن عبد الله النَّخعيّ، وعامر بن شَراحيل الشعبيّ، فقلت له: ما تصنع بهذا رحمك الله؟ فقال: دعْه يكون، قال: ودعا إبراهيم عشيرته وإخوانه ومَنْ أطاعه، وأقبل يختلف إلى المختار (?). (6/ 15 - 18).