الأحمر في مئة وعشرين، وحنش بن ربيعة أبا المعتمر الكنانيّ في مثلها، وبقيَ هو في مئة؛ ثم قال: انظُروا أوّل من تلقَون فأتُوني به، فكان أوَّلَ من لقينا أعرابيّ يطرُد أحمِرةً وهو يقول:
يا مالِ لا تَعجلْ إلى صحْبِي ... وأسرحْ فإِنّك آمِنُ السِّرْبِ
قال: يقول عبد الله بن عوف بن الأحمر: يا حَميْد بن مُسلم، أبشر بُشرَى وربِّ الكعبة، فقال له ابن عوف بن الأحمر: ممّن أنت يا أعرابيّ؟ قال: أنا من بني تغْلبٍ؛ قال: غلبتم وربّ الكعبة إن شاء الله، فانتهى إلينا المسيّب بن نجبة، فأخبرناه بالذي سمعْنا من الأعرابيّ وأتيناه به، فقال المسيّب بن نَجَبة، أما لقد سُررتُ بقولك: أبشِر، وبقولك: يا حميد بن مسلم، وإني لأرجو أن تبشروا بما يسرّكم، وإنّما سرّكم أن تحمدوا أمرَكم، وأن تَسلَموا من عدوّكم، وإنّ هذا الفأل لهو الفأل الحسن، وقد كان رسولُ - صلى الله عليه وسلم - يعجبُه الفأل، ثم قال المسيّب بن نجبَة للأعرابيّ: كم بيننا وبين أدنى هؤلاء القوم منّا؟ قال: أدنى عسكر من عساكرهم منك عسكرُ ابن ذي الكلاع، وكان بينه وبين الحصين اختلاف، ادّعى الحصين أنه على جماعة الناس، وقال ابن ذي الكلاع: ما كنتَ لتولَّى عليّ، وقد تكاتبا إلى عبيد الله بن زياد، فهما ينتظران أمره، فهذا عسكر ابن ذي الكلاع منكم على رأس ميل؛ قال: فتركْنا الرجل، فخرجنا نحوَهم مُسرِعين، فوالله ما شعروا حتى أشرفْنا عليهم وهم غارّون، فحملْنا في جانب عسكرهم، فوالله ما قاتلوا كثيرَ قتال حتى انهزموا، فأصبنا منهم رجالًا، وجَرحنْا فيهم فأكثَرْنا الجراح، وأصبنا لهم دوابّ، وخرجوا عن عسكرهم وخلّوه لنا، فأخذنا منه ما خفّ علينا، فصاح المسيّب فينا: الرجعة، إنكم قد نُصِرتم، وغَنِمتم وسَلمِتم، فانصرِفوا، فانصرَفْنا حتى أتينا سليمان.
قال: فأتى الخبرُ عبيد الله بن زياد، فسرّح إلينا الحُصَين بن نمير مسرعًا حتى نزل في اثني عشر ألفًا، فخرجْنا إليهم يومَ الأربعاء لثمانٍ بقين من جُمادى الأولى؛ فجعل سليمانُ بن صُرَد عبد الله بن سعد بن نفيل على ميمنته، وعلى ميسرته المسيّب بن نَجَبة، ووقف هو في القلب، وجاء حصين بن نمير وقد عبّأ لنا جُندَه، فجعل على ميمنته جبلة بن عبد الله، وعلى ميسرته ربيعة بن المخارق الغَنَويّ، ثم زحفوا إلينا، فلما دَنوْا دعونا إلى الجماعة على عبد الملك بن مروان