طريقه ذلك، ومنزلنا بالقباب التي تدعى قباب أوْس، فخرجتُ أتلقّاه مع أبي وعمّى، فانتهينا إليه وهو على بِرْذون له يرتاد منزلًا من الأرض، قال: فسمعته يتمثّل أبياتًا للقُطاميّ:

أمورٌ لو تَدَبّرها حَلِيمٌ ... إذًا لنَهى وهَيَّبَ ما استَطَاعا

ومعْصِيَة الشفيق عليك ممّا ... يزيدك مرةً منه استماعا

وخبْرُ الأَمر ما استقبلتَ منه ... وليس بأَن تَتَبّعه اتّباعَا

ولكنَّ الأَدِيمَ إذا تفرَّى ... بِلىً وتعيُّبًا غلب الصَّنَاعا

فقلت للذي معي: إني لأسمع كلامَ رجل نادم على مسيره، ثم سار فلما بلغ كرخثا قال له - فيما ذكر عن سليمان بن أبي شيخ عن عبد الواحد بن زياد بن لبيد - إن هذه بلادُ قومي، وأنا أعلم بها، فلا تقصد قصْد عيسى بن موسى، وهذه العساكر التي وُجّهتْ إليك، ولكني أسلك بك - إن تركتَني - طريقًا لا يشعر بك أبو جعفر إلا وأنت معه بالكوفة، فأبى عليه. قال: فإنا معشر ربيعة أصحاب بيات، فدعني أبيّت أصحاب عيسى بياتًا، قال: إني أكره البَيَات.

وذُكر عن سعيد بن هريم أنّ أباه أخبره، قال: قلت لإبراهيم: إنك غير ظاهر على هذا الرجل حتى تأخذ الكوفة، فإن صارت لك مع تحصّنه بها لم تقم له بعدها قائمة، ولي بعدُ بها أهيْلٌ، فدعني أسِرْ إليها مختفيًا فأدعو إليك في السرّ ثم أجهر؛ فإنهم إن سمعوا داعيًا إليك أجابوه، وإن سمع أبو جعفر الهْيعة بأرجاء الكوفة لم يردّ وجهه شيء دون حُلوان، قال: فأقبل على بشير الرحّال، فقال: ما ترى يا أبا محمد؟ قال: إنا لوثقنا بالذي تصِف لكان رأيًا؛ ولكنّا لا نأمن أن تجيبك منهم طائفة، فيرسل إليهم أبو جعفر خيلًا فيَطأ البَريء والنَّطِف (?) والصّغير والكبير؛ فتكون قد تعرّضت لمأثمِ ذلك، ولم تبلغ منه ما أمّلتَ، فقلتُ لبشير: أخرجت حين خرجت لقتال أبي جعفر وأصحابه؛ وأنت تتوقَّى قتل الضّعيف، والصغير والمرأة والرجل؛ أوَليس قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجّه السرّية فيقاتل فيكون في ذلك نحو ما كرهت! فقال: إنّ أولئك كانوا مشركين كلهم، وهؤلاء أهلُ ملّتنا ودعوتنا وقبلتنا، حكْمهم غير حكم أولئك، فاتبع إبراهيم رأيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015