فوالله ما هو إلا أن قُتِل إبراهيم، فجعلت أتذكر مقالته فأعجب.

قال سعيد بن سلم: فاستعمله على ميسرة الناس، وضمّ إليه بشار بن سلم العُقيليّ وأبا يحيى بن خُرَيم وأبا هُراسة سنان بن مخيَّس القشيريّ، وكتب سلم إلى البصرة فلحقت به باهلة؛ عُرْبُها ومواليها، وكتب المنصور إلى المهديّ وهو يومئذ بالرّيّ يأمره بتوجيه خازم بن خزيمة إلى الأهواز، فوجّهه المهديّ - فيما ذُكر - في أربعة آلاف من الجند، فصار إليها، وحارب بها المغيرة، فانصرف إلى البصرة، ودخل خازم الأهواز، فأباحها ثلاثًا.

وذكر عن الفضل بن العبّاس بن موسى وعمر بن ماهان، أنهما سمعا السنديّ يقول: كنت وصيفًا أيام حرب محمد، أقوم على رأس المنصور بالمذَبّة، فرأيته لما كثف أمر إبراهيم وغلُظ أقام على مصلى نيّفًا وخمسين ليلة، ينام عليه ويجلس عليه، وعليه جُبَة ملوّنة قد اتّسخ جَيْبها وما تحت لحيته منها؛ فما غيَّر الجُبّة، ولا هجرَ المصلَّى حتى فتح الله عليه؛ إلّا أنه كان إذا ظهر للناس علا الجبّة بالسواد، وقعد على فراشه؛ فإذا بطن عاد إلى هيئته، قال: فأتته ريسانة في تلك الأيام، وقد أهديت له امرأتان من المدينة؛ إحداهما فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله والأخرى أمَة الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بن أسيد بن أبي العيص؛ فلم ينظر إليهما، فقالت: يا أمير المؤمنين؛ إن هاتين المرأتين قد خبثت أنفسهما، وساءت ظنونهما لما ظهر من جفائك لهما؛ فنهرها، وقال: ليست هذه الأيام من أيام النساء؛ لا سبيل لي إليهما حتى أعلم: أرأس إبراهيم لي أم رأسي لإبراهيَم!

وذُكِر أن محمدًا وجعفرًا ابني سليمان كتبا إلى أبي جعفر يُعْلمانه بعد خروجهما من البَصْرة الخبر في قطعة جِراب، ولم يقدرا على شيء يكتبان فيه غير ذلك؛ فلما وصل الكتاب إليه؛ فرأى قطعة جِراب بيد الرسول، قال: خلع والله أهل البصرة مع إبراهيم، ثم قرأ الكتاب ودعا بعبد الرحمن الخُتّليّ وبأبي يعقوب ختن مالك بن الهيثم، فوجّههما في خيل كثيفة إليهما، وأمرهما أن يحبساهما حيث لقياهما، وأن يعسكرا معهما، ويسمعا ويطيعا لهما؛ وكتب إليهما يعجّزهما ويضعّفهما ويوبخهما على طمع إبراهيم في الخروج إلى مصر هما فيه، واستتار خبره عنهما، حتى ظهر وكتب في آخر كتابه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015