السيروانيُّ، قال: قال أبو القاسمِ سمنونُ: دخلت عبادانَ، فسألتُ عن شيخٍ أسالم قلبه، وآنس به، فقيل لي: ما بقي عندنا أحدٌ، إلا وقد رأيتَه، وما بقي لنا غيرُ شيخٍ في البحر، قد نقرَ لنفسه ساجةً، وهو يتعبد فيها منذ ثلاثين سنة، وربما ألقتْه الريح ههنا في كل سنة مرةً أو مرتين، فكأَن نفسي تشوقت إليه، فلما كان في بعض الأيام، قيل لي: إن الرجل قد وصل.
قال سمنون: فخرجتُ أنظر إليه، فإذا رجلٌ شيخٌ جالسٌ في ساجةٍ منقورة، حسنُ السمت، فسلمتُ عليه، فردَّ عليَّ السلامَ، فقلت له: إني سائلكَ عن مسألة.
فقال: دَعْني من هذا، فإني أريد أن أسألك عن مسألة.
قال سمنون: فقلت له: سَلْ، فقال: إنَّ ذَكَري يجري كمَنْخِرَيِ الثورِ، فما أعمل؟ فقلت له: ما عليكَ أكثرُ من أن تنترَ ثلاثًا، وما عدا ذلك فليس عليك.
قال سمنون: فقلت له: حدثني بأشدِّ ما رأيتَ في هذا البحر من الوحشة.
فقال: ما يمكن، ولكن هَبَّتْ في بعض الليالي ريحٌ عظيمة، وأظلمَ البحرُ وجنَّ، حتى ما رأيتُ مثلَه قَطُّ إن شاء الله، فداخَلَني من ذلك وحشةٌ عظيمة، فطلبت شيئًا يزيل عني تلك الوحشةَ، فإذا أنا بتنيني عظيمٍ فاتحٍ فاه، وألقتني الساجةُ نحوه، فدخلتُ في فيه، وجلستُ على نابٍ من أنيابه، وصليت ركعتين، فزال عني ما كنت أجدُ من الوحشة.