ومَهَّدُوا للرشاد مِهادَه، وشاركوا أهلَ الدنيا في آخرتهم، عزوا عن الرزايا، وغُصصِ المنايا، هابوا الموتَ وسكراتهِ، وكُرُباتهِ وفَجَعاته، ومن القبرِ وضِيقه، ومنكبر ونكيرٍ ومن ابتدارهما، وانتهارِهما وسؤالهما، ومن المقامِ بين يدي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأمنهم مولاهم من تلك المخاوف.
قال الحافظُ أبو نعيمٍ: وهم مصابيحُ الدجى، وينابيعُ الرشدِ والحِجَى، خُصُّوا بخفيِّ الاختصاص، واتقوا من التصنيع بالإخلاص (?).
* إن حضروا، لم يعرفهم من الناس غيرُ الخواص، وإن غابوا، لم يفقدهم غير شذوذٍ من ذوي الإخلاص.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدين: أنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا أبو عليٍّ الحدادُ: أنا الحافظُ أبو نعيم: ثنا عبد الله بن محمدٍ، ومحمدُ بن أحمدَ، وجماعةٌ، قالوا: ثنا الفضلُ بن الحبابِ: ثنا شاذ بن فياضٍ: ثنا أبو قحذمٍ، عن أبي قِلابةَ، عن عبد الله بن عمرَ بن الخطابِ، قال: مرَّ عمرُ بن الخطاب بمعاذِ بن جبلٍ وهو يبكي، فقال: ما يبكيكَ يا معاذُ؟ فقال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَحَبُّ العِبَادِ إِلَى الله تَعَالَى الأتْقِيَاءُ الأخْفِيَاءُ، الَّذِينَ إِذَا غَابوا، لَمْ يُفْقَدُوا، وَإِذَا شَهِدُوا، لَمْ يُعْرَفُوا، أولئك أَئِمَّةُ الهُدَى، وَمَصَابيحُ العِلْمِ" (?).