العثمانية هناك وهددت حتى السلطة المركزية بالجرائر. ودام خطرها سنوات، ومات من جرائها آلاف الناس، وبعثرت العائلات والعلاقات. ولم يكن الفكون الذي ورث عن أبيه وظائف الجامع الأعظم وورث عن أسرته ثرواتها وجاهها ليسمح باختلال الأمور إلى درجة تهدد وظائفه ومصالحه وتجعل مدينة قسنطينة لقمة سائغة في يد الثوار بعد أن قتل الباي مراد وانهزم الجيش والمدافعون عن المدينة. إن الفكون الذي طالما عرض بالثورات والفوضى بالريف القسنطيني قبل 1047 قد واجه الآن ثورة أشد وأعنف تهدد المدينة نفسها كما تهدد حضرها ومصالحها التجارية ومؤسساتها. وقد كان عليه أن يتخذ موقفا واضحا، فهو مسؤول معنويا وسياسيا وروحيا وقد اختار، فاختار الأمن والاستقرار على الفوضى، اختار حاكما يعرفه على حاكم لا يعرفه، بل إنه استطاع أن (يفرض) هذا الحاكم فرضا، كما سنرى، وتحالف معه أوثق التحالف وحماه بكل ما لديه من نفوذ روحي.
إن مكان تاريخ ثورة الذواودة ليس هنا، ولكن يكفي أن نبحث عن تأثيرها على اتخاذ الفكون ما اتخذ من مواقف. وأنه نتيجة لهذه الثورة، عدل باشوات الجزائر عن حرب الإسبان في وهران والمرسى الكبير، واتجهوا بكل قواتهم نحو الشرق الجزائري، لأن القضاء على العدو الداخلي في نظرهم كان أولى من القضاء على العدو الخارجي ومن أجل ذلك جندوا أيضا، أو حاولوا أن يجندوا، كل العناصر القوية في البلاد من أصحاب النفوذ والمصالح كالأعيان في المدن والعلماء ورجال التصوف. والواقع