الشريف والوعظ به. ولا شك أن من وظائف الإمام والخطيب ردع الناس عن المظالم وتنبيههم إلى ضرورة الإقلاع عن المحارم والشبهات. وبعبارة أخرى فإننا نتصور أن الفكون قد أخذ يطبق في خطبه ما دعا إليه في كتبه من مبادىء شرعية وأخلاقية. فهو الآن في مقام المسؤول عما يدعو إليه قولا لا كتابة. بل إن ما يخطب به الناس وما يدعوهم إليه أصبح (فتاوى). تلزمه وأحكاما تصدر عنه. وهكذا وجدنا الفكون قد حولته الظروف الجديدة من أستاذ في علم النحو إلى مفتي شرعي، ومن ناقد اجتماعي حر إلى مسؤول سياسي محاسب عن كل صغيرة وكبيرة.

أما رعاية أوقاف الجامع الأعظم فأمرها يختلف. فهي مهمة كبيرة ودقيقة. هي من جهة مصدر رضى وغبطة، ومن جهة أخرى مصدر حسد وقلق. فمتوليها يتمتع بثروة كبيرة ويحصل من الجاه والنفوذ ما يجعله مرمى السهام وهمس الشفاء وغمز العيون. ذلك أن للجامع نفسه موظفين كثيرين، وعلى راعي الأوقاف أن يضبطهم ويصنفهم ويمنحهم ما يستحقونه من المال. وإذا نامت عينه أو غفل قلبه عنهم استغلوا وشنعوا ونهبوا ولم يفرقوا بين الحلال والحرام. وكان لكل منهم صلة من الصلات بالآخرين، من أبسط العلماء إلى الوالي نفسه. وكانوا قادرين، إذا وجدوا الطريق، أن يزلزلوا الأرض من تحت راعي الأوقاف. ولذلك كان على الفكون أن يكون يقظا دائما حذرا أبدا، رغم أن الأوامر الصادرة إليه من باشا الجزائر تعطيه ثقة مطلقة في التصرف ولا يعترض أحد على حكمه، لا موظفو الجامع، ولا القضاة ولا السلطة المحلية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015