كان في ذلك مصلحة هؤلاء وهؤلاء وإذا تأملت الوجود رأيته قائما بذلك شاهدا على منكري الحكمة فكم لله سبحانه في إحداث تلك الوسائط من حكم ومصالح ومنافع للعباد لو بطلت تلك الوسائط لفاتت تلك الحكم والمصالح، الجواب الخامس قولك يلزم العبث وهو على الله محال فيقال إن كان العبث عليه محالا لزم أن لا يفعل ولا يأمر إلا لمصلحة وحكمة فبطل قولك بقولك وإن لم يكن العبث عليه محالا بطلت هذه الحجة فيتحقق بطلانها على التقديرين، الجواب السادس أن يقال ما المانع أن يفعل سبحانه أشياء معللة وأشياء غير معللة بل مرادة لذاتها وإذا جاز هذا جاز أن يقال أن هذه الوسائط غير معللة ولا يمكنك نفي هذا القسم إلا بأن تقول أن شيئا من أفعاله غير معلل البتة وأنت إنما نفيت هذا بلزوم العبث في توسط تلك الأمور ولا يلزم من انتفاء التعليل في بعض الأفعال انتفاؤه في الجميع فإنه لا يجب أن يكون كل شيء لعلة فأنت نفيت جواز التعليل وغاية هذه الحجة لو صحت أن تدل على أنه لا يجب في كل شيء أن يكون لعلة فلم يثبت الحكم والدليل وهذا كما يقول الفقهاء مع قولهم بالتعليل أن من الأحكام ما يفيد غير معلل فهلا قلت في الخلق كقولهم في الأمر وهذا إنما هو بطريق الإلزام وإلا فالحق أن جميع أفعاله وشرعه لها حكم وغايات لأجلها شرع وفعل وأن لم يعلمها الخلق على التفصيل فلا يلزم من عدم علمهم بها انتفاؤها في نفسها، الجواب السابع أن غاية هذه الشبهة أن يكون سبحانه قادرا على تحصيل تلك الحكم بدون تلك الوسائط كما هو قادر على تحصيلها بها وإذا كان الأمران مقدوران له لم يكن العدول عن أحد المقدورين إلى الآخر عبثا إلا إذا كان المقدور الآخر مساويا لهذا من كل وجه ولا يمكن عاقلا أن يقول أن تعطيل تلك الوسائط وعدمها مساو من كل وجه لوجودها وهذا من أعظم البهت وأبطل الباطل وهو يتضمن القدح في الحس والعقل والشرع كما هو قدح في الحكمة فإن من جعل وجود الرسل وعدمهم سواء ووجود الشمس والقمر والنجوم والمطر والنبات والحيوان وعدمها سواء ووجود هذه الوسائط جميعها وعدمها سواء فلم يدع للمكابرة موضعها، الجواب الثامن قولك جميع الأغراض يرجع حاصلها إلى شيئين اللذة الهم والحزن أتريد به الغرض الذي يفعل لأجلها الحيوان أو الحكمة التي يفعل الله سبحانه لأجلها أم تريد به ما هو أعم من ذلك فإن أردت الأول لم تفدك شيئا وإن أردت الثاني أو الثالث كانت دعوى مجردة لا برهان عليها فإن حكمة الرب تعالى فوق تحصيل اللذة ودفع الغم والحزن فإنه يتعالى عن ذلك بل ليس كمثل حكمته شيء كما أنه موصوف بالإرادة وليست كإرادة الحيوان فإن الحيوان يريد ما يريده ليجلب له منفعة أو يدفع به عنه مضرة وكذلك غضبه ليس مشابها لغضب خلقه فإن غضب المخلوق هو غليان دم قلبه طلبا للانتقام والله يتعالى عن ذلك وكذلك سائر صفاته فكما أنه ليس كمثله شيء في إرادته ورضاه وغضبه ورحمته وسائر صفاته فهكذا حكمته سبحانه لا تماثل حكمة المخلوقين بل هي أجل وأعلى من أن يقال أنها تحصيل لذة أو دفع حزن فالمخلوق لنقصه يحتاج أن يفعل ذلك لأن مصالحه لا تتم إلا به والله سبحانه غني بذاته عن كل ما سواه لا يستفيد من خلقه كمالا بل خلقهم يستفيدون كمالهم منه، الجواب التاسع أن يقال قد دل الوحي مع العقل على أنه سبحانه يحب ويبغض أما الوحي فالقرآن مملوء من ذلك وأما العقل فما نشاهد في العالم من إكرام أوليائه وأهل طاعته وإهانة أعدائه وأهل معصيته شاهد لمحبته لهؤلاء ورضاه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015