عنهم وبغضه لهؤلاء وسخطه عليهم ومعلوم قطعا أن من يحب ويبغض أكمل محبة وبغض وهو قادر على تحصيل محابه فإن حكمته فيما يفعله ويتركه أتم حكمة وأكملها فهو يفعل ما يفعله لأنه يوصل إلى محابه ويترك ما يتركه لأنه لا يحبه وإذا فعل ما يكرهه لم يفعله إلا لإفضائه إلى ما يحب وإن كان مكروها في نفسه فإن أردت باللذة والسرور والهم والحزن الحب والبغض فالرب تعالى يحب ويبغض لم يلزم من كونه يفعل لحكمة أن يتصف بذلك، الجواب العاشر أنه سبحانه إذا كان قادرا على تحصيل ذلك بدون الوسائط وهو قادر على تحصيله بها كان فعل النوعين أكمل وأبلغ في القدرة وأعظم في ملكه وربوبيته من كونه لا يفعل إلا بأحد النوعين والرب تعالى تتنوع أفعاله لكمال قدرته وحكمته وربوبيته فهو سبحانه قادر على تحصيل تلك الحكمة بواسطة إحداث مخلوق من فصل وبدون إحداثه بل بما يقوم به من أفعاله اللازمة وكلماته وثنائه على نفسه وحمده لنفسه فمحبوبه يحصل بهذا وهذا وذلك أكمل ممن لا يحصل محبوبه إلا بأحد النوعين، الجواب العاشر أن الرب سبحانه كامل في أوصافه وأسمائه وأفعاله فلا بد من ظهور آثارها في العالم فإنه محسن ويستحيل وجود الإحسان بدون من يحسن إليه ورزاق فلا بد من وجود من يرزقه وغفار وحليم وجواد ولطيف بعباده ومنان ووهاب وقابض وباسط وخافض ورافع ومعز ومذل وهذه الأسماء تقتضي متعلقات تتعلق بها وآثارا تتحقق بها فلم يكن بد من وجود متعلقاتها وإلا تعطلت تلك الأوصاف وبطلت تلك الأسماء فتوسط تلك الآثار لا بد منه في تحقق معاني تلك الأسماء والصفات فكيف يقال أنه عبث لا فائدة فيه وبالله التوفيق.
فصل: قال نفاة الحكمة لو وجب أن يكون خلقه وأمره معللا بحكمة وغرض لكان خلق الله العالم في وقت معين دون ما قبله ودون ما بعده معللا برعاية غرض ومصلحة ثم تلك المصلحة والغرض إما أن يقال كان حاصلا قبل ذلك الوقت أو لم يكن حاصلا قبله فإن كان ما لأجله أوجد الله العالم في ذلك الوقت حاصلا قبل أن أوجده فيلزم أن يقال أنه كان موجدا له قبل أن لم يكن موجدا له وذلك محال وإن قلنا أن ذلك الغرض والمصلحة لم يكن حاصلا قبل ذلك الوقت وإنما حدث في ذلك الوقت فنقول حصول ذلك الغرض في ذلك الوقت إما أن يكون مفتقرا إلى المحدث أو لا يفتقر فإن لم يفتقر فقد حدث الشيء لا عن موجد ومحدث وهو محال وأن افتقر إلى محدث فإن افتقر تخصص إحداث ذلك الغرض بذلك الوقت إلى غرض آخر عاد التقسيم الأول فيه ولزم التسلسل وإن لم يفتقر إلى رعاية غرض آخر فحينئذ تكون موجدية الله سبحانه وخالقيته غنية عن الأغراض والمصالح وهذا هو المطلوب قالوا وهذه الحجة كما أنها قائمة في اختصاص العالم بذلك الوقت المعين فهي قائمة في اختصاص كل حادث من الحوادث بوقته المعين وملخصها أن إحداث الحادث في وقته إن كان لغرض فإن كان ذلك الغرض حاصلا قبله لزم حدوثه قبل حدوثه وإلا افتقر إلى الإحداث فإحداثه إن كان لغرض تسلسل وإلا ثبت المطلوب قال أهل الحكمة هذه الحجة بعينها مذكورة في ضمن الحجة الثانية التي تقدمت وكأنكم يعجبكم التشييع بكره الباطل وجميع ما أجبناكم به هناك فهو الجواب ههنا بعينه فغاية هذا أنه تسلسل في الآثار لا في المؤثرات وتسلسل في الحوادث المستقبلة وذلك جائز بل واجب باتفاق المسلمين سوى قول حبهم والعلاف وغاية الأمر أن يكون في الحوادث