ذلك فكيف يقدح في هذا المعلوم الصحيح بذلك النفي الذي لم يقم على صحته دليل البتة الجواب الثامن أن التسلسل إما أن يكون ممكنا أو ممتعنا فإن كان ممكنا بطل استدلالكم وإن كان ممتنعا أمكن أن يقال في دفعه تنتهي المرادات إلى مراد لنفسه لا لغيره وينقطع التسلسل الجواب التاسع أن يقال ما المانع أن تكون الفاعلية معللة بعلة قديمة قولكم يلزم من قدمها قدم المعلول ينتقص عليكم بالإرادة فإنها قديمة ولم يلزم من قدمها قدم المراد فإن قلتم الإرادة القديمة تعلقت بالمراد الحادث في وقت حدوثه واقتضت وجوده حينئذ فهلا قلتم أن الحكمة القديمة تعلقت بالمراد وقت حدوثه كما قلتم في الإرادة فإن قلتم شأن الإدارة التخصيص قيل لكم وكذلك الحكمة شأنها تخصيص الشيء بزمانه ومكانه وصفته فالتخصيص مصدره الحكمة والإرادة والعلم والقدرة فإن لزم من قدم الحكمة قدم الفعل لزم من قدم الإرادة قدمه وإن لم يلزم ذلك لم يلزم هذا الجواب العاشر أن يقال لو لم يكن فعله لحكمة وغاية مطلوبة لم يكن مريدا فان المريد لا يعقل كونه مريدا إلا إذا كان يريد لغرض وحكمة فإذا انتفت الحكمة والغرض انتفت الإرادة ويلزم من انتفاء الإرادة أن يكون موجبا بالذات وهو علة تامة في الأزل لمعلوله فيلزم أن يقارنه جميع معلوله ولا يتأخر فيلزم من ذلك قدم الحوادث المشهودة وإنما لزم ذلك من انتفاء الحكمة والغرض المستلزمة لنفي الإرادة المستلزمة للإيمان الذاتي المستلزم لقدم الحوادث وتقرير هذا وبسطه في غير هذا الموضع.
فصل: قال نفاة الحكمة جميع الأغراض يرجع حاصلها إلى شيئين تحصيل اللذة والسرور ودفع الألم والحزن والغم والله سبحانه قادر على تحصيل هذين المطلوبين ابتداء من غير شئ من الوسائط ومن كان قادرا على تحصيل المطلوب ابتداء بغير واسطة كان توسله إلى تحصيله بالوسائط عبثا وهو على الله محال قال أصحاب الحكمة عن هذه الشبهة أجوبة الجواب الأول أن يقال لا ريب إن الله على كل شئ قدير لكن لا يلزم إذا كان الشيء مقدورا ممكنا أن تكون الحكمة المطلوبة لوجوده يمكن تحصيلها مع عدمه فإن الموقوف على الشيء يمتنع حصوله بدونه كما يمتنع حصول الابن بكونه ابنا بدون الأب فإن وجود الملزوم بدون لازمه محال والجمع بين الضدين محال ولا يقال فيلزم العجز لأن المحال ليس بشيء فلا تتعلق به القدرة والله على كل شئ قدير فلا يخرج ممكن عن قدرته البتة، الجواب الثاني أن دعوى كون توسط أحد الأمرين إذا كان شرطا أو سببا له عبث دعوى كاذبة باطلة فإن العبث هو الذي لا فائدة فيه وأما توسط الشرط أو السبب أو المادة التي يحدث فيها ما يحدثه فليس بعبث توضيحه، الجواب الثالث أن حصول الأعراض والصفات التي يحدثها الله سبحانه في موادها شروط لحصول تلك المواد ولا يتصور وجودها بدونها فتوسطها أمر ضروري لا بد منه فينقلب عليكم دليلكم ونقول هل يقدر سبحانه على إيجاد تلك الحوادث بدون توسط موادها الحاملة لها أولا يمكن فإن قلتم يمكن ذلك كان توسطها عبثا وإن قلتم لا يقدر كان تعجيزا فإن قلتم هذا فرض مستحيل والمحال ليس بشيء قيل صدقتم وهذا جوابنا بعينه، الجواب الرابع أن يقال إذا كان في خلق تلك الوسائط حكم أخرى تحصل بخلقها للفاعل وفي خلقها مصالح ومنافع لتلك الوسائط لم يكن توسطها عبثا ولم تكن الحكمة حاصلة بعدمها كما أنه سبحانه إذا جعل رزق بعض خلقه في البخارات مثلا فاقتضى ذلك أن تخليق الصانع إلى من يحتاج فينتفع هؤلاء بالصانع وهؤلاء باليمن