أولى بالإرادة من غيرها فلا تخرج أفعاله عن الحكمة والمصلحة والإحسان والرحمة والعدل والصواب كما لا تخرج أقواله عن العدل والصدق.
فصل: النوع السابع عشر حمده سبحانه لنفسه على جميع ما يفعله وأمره عباده بحمده وهذا لما في أفعاله من الغايات والعواقب الحميدة التي يستحق فاعلها الحمد فهو يحمد على نفس الفعل وعلى قصد الغاية الحميدة به وعلى حصولها فههنا ثلاث أمور ومنكرو الحكم والتعليل ليس عندهم محمود على قصد الغاية ولا على حصولها إذ قصدها عندهم مستحيل عليه وحصولها عندهم أمر اتفاقي غير مقصود كما صرحوا به فلا يحمد على ما لا يجوز قصده ولا على حصوله فلم يبق إلا نفس الفعل ومعلوم أن الفاعل لا يحمد على فعله إن لم يكن له فيه غاية مطلوبة هي أولى به من عدمها وإلا فمجرد الفعل الصادر عن الفاعل إذا لم يكن له غاية يقصده بها لا يحمد عليه بل وقوع هذا الفعل من القادر المختار الحكيم محال ولا يقع الفعل على هذا الوجه إلا من عائب والله منزه من العيب فحمده سبحانه من أعظم الأدلة على كمال حكمته وقصده بما فعل يقع خلفه والإحسان إليهم ورحمتهم وإتمام نعمته عليهم وغير ذلك من الحكم والغايات التي تعطيلها تعطيل لحقيقة حمده.
فصل: النوع الثامن عشر إخباره بإنعامه على خلقه وإحسانه إليهم وأنه خلق لهم ما في السماوات وما في الأرض وأعطاهم الأسماع والأبصار والأفئدة ليتم نعمته عليهم ومعلوم أن المنعم المحسن لا يكون كذلك ولا يستحق هذا الاسم حتى يقصد الإنعام على غيره والإحسان إليه فلو لم يفعل سبحانه لغرض الإنعام والإحسان لم يكن منعما في الحقيقة ولا محسنا إذ يستحيل أن يكون كذلك من لم يقصد الإنعام والإحسان وهذا غني عن التقرير يوضحه أنه سبحانه حيث ذكر إنعامه وإحسانه فإنما يذكره مقرونا بالحكم والمصالح والمنافع التي خلق الخلق وشرع الشرائع لأجلها كقوله في آخر سورة النحل: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} فهذا في الخلق وقال في الشرع في أمره باستقبال الكعبة: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وقال في أمره بالوضوء والتيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فجعل تمام نعمته في أن خلق ما خلق للإحسان وأمر بما أمر لذلك.
فصل: النوع التاسع عشر اتصافه بالرحمة وأنه أرحم الراحمين وأن رحمته وسعت كل شيء وذلك لا يتحقق إلا بأن تقصد رحمة خلقه بما خلقه لهم وبما أمرهم به فلو لم تكن أوامره لأجل الرحمة والحكمة والمصلحة وإرادة الإحسان إليهم لما كان رحمة ولو حصلت بها الرحمة لكانت اتفاقية لا مقصودة وذلك لا يوجب أن يكون الآمر سبحانه أرحم الراحمين فتعطيل حكمته والغاية المقصودة التي لأجلها يفعل إنكار لرحمته في الحقيقة وتعطيل لها وكان شيخ هذا المذهب جهم بن صفوان يقف على الجذامى ويشاهد ما هم فيه من البلايا ويقول أرحم الراحمين يفعل مثل هذا يعني أنه ليس ثم رحمة في الحقيقة وأن الأمر راجع إلى محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة ولا حكمة