الحاصلة من ذلك أمر مطلوب مقصود وهي غاية الفعل لا أنها أمر اتفاقي.

فصل: النوع الخامس عشر إخباره بأن حكمه أحسن الأحكام وتقديره أحسن التقادير ولولا مطابقته للحكمة والمصلحة المقصودة المرادة لما كان كذلك إذ لو كان حسنه لكونه مقدورا معلوما كما يقوله النفاة لكان هو وضده سواء فإنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير فكان كل معلوم مقدور أحسن الأحكام وأحسن التقادير وهذا ممتنع قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} فجعل هذا أن يختار لهم دينا سواه ويرتضي دينا غيره كما يمتنع عليه العيب والظلم وقال تعالى: {مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً} وقال: {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وقال: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} وقال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} فلا أحسن من تقديره وخلقه لوقوعه على الوجه الذي اقتضته حكمته ورحمته وعلمه وقال تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} ولولا مجيئه على أكمل الوجوه وأحسنها ومطابقتها للغايات المحمودة والحكم المطلوبة لكان كله متفاوتا أو كان عدم تفاوته أمرا اتفاقيا لا يحمد فاعله لأنه لم يرده ولم يقصده وإنما اتفق أن صار كذلك.

فصل: النوع السادس عشر إخباره سبحانه أنه على صراط مستقيم في موضعين من كتابه أحدهما قوله حاكيا عن نبيه هود: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} والثاني قوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قال أبو إسحاق: "أخبر أنه وإن كانت قدرته تنالهم بما شاء فهو لا يشاء إلا العدل" قال ابن الأنباري: "لما قال إلا هو آخذ بناصيتها كان في معنى لا تخرج عن قبضته" قاهر بعظيم سلطانه كل دابة فأتبع ذلك قوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي أنه على الحق قال وهذا نحو كلام العرب إذا وصفوا رجلا حين السيرة والعدل والإنصاف قالوا فلان طريقه حسنة وليس ثم طريق وذكر في معنى الآية أقوال أخر هي من لوازم هذا المعنى وآثاره كقول بعضهم إن ربي يدل على صراط مستقيم فدلالته على الصراط من موجبات كونه في نفسه على صراط مستقيم فإن تلك الدلالة والتعريف من تمام رحمته وإحسانه وعدله وحكمته وقال بعضهم معناه لا يخفى عليه شيء ولا يعدل عنه هارب وقال بعضهم المعنى لا مسلك لأحد ولا طريق له إلا عليه كقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} وهذا المعنى حق ولكن كونه هو المراد بالآية ليس بالبين فإن الناس كلهم لا يسلكون الصراط المستقيم حتى يقال أنهم يصلون سلوكه إليه ولما أراد سبحانه هذا المعنى قال: {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} : {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} : {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} : {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} وأما وصفه سبحانه بأنه على صراط مستقيم فهو كونه يقول الحق ويفعل الصواب فكلماته صدق وعدل كله صواب وخير والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فلا يقول إلا ما يحمد عليه لكونه حقا وعدلا وصدقا وحكمة في نفسه وهذا معروف في كلام للعرب قال جرير يمدح عمر بن عبد العزيز:

أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد مستقيم

وإذا عرف هذا فمن ضرورة كونه على صراط مستقيم أنه لا يفعل شيئا إلا بحكمة يحمد عليها وغاية هي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015