الأنواع لو استوعبناه لجاء كتابا مفردا.

فصل: النوع الثالث عشر أمره سبحانه بتدبر كلامه والتفكر فيه وفي أوامره ونواهيه وزواجره ولولا ما تضمنه من الحكم والمصالح والغايات المطلوبة والعواقب الحميدة التي هي محل الفكر لما كان للتفكير فيه معنى وإنما دعاهم إلى التفكر والتدبر ليطلعهم ذلك على حكمته البالغة وما فيه من الغايات والمصالح المحمودة التي توجب لمن عرفها إقراره بأنه تنزيل من حكيم حميد فلو كان الحق ما يقوله النفاة وأن مرجع ذلك وتصوره مجرد القدرة والمشيئة التي يجوز عليها تأييد الكاذب بالمعجزة ونصره وإعلائه وإهانة الحق وإذلاله وكسره لما كان في التدبر والتفكر مما يدلهم على صدق رسله ويقيم عليهم حجته وكان غاية ما دعوا إليه القدر المحض وذلك مشترك بين الصادق والكاذب والبر والفاجر فهؤلاء بإنكارهم الحكمة والتعليل سدوا على نفوسهم باب الإيمان والهدى وفتحوا عليهم باب المكابرة وجحد الضروريات فإن ما في خلق الله وأمره من الحكم والمصالح المقصودة بالخلق والأمر والغايات الحميدة أمر تشهد به الفطرة والعقول ولا ينكره سليم الفطرة وهم لا ينكرون ذلك وإنما يقولون وقع بطريق الاتفاق لا بالقصد كما تسقط خشبة عظيمة فيتفق عبور حيوان مؤذ تحتها فتهلكه ولا ريب أن هذا ينفي حمد الرب سبحانه على حصول هذه المنافع والحكم لأنها لم تحصل بقصده وإرادته بل بطريق الاتفاق الذي لا يحمد عليه صاحبه ولا يثنى عليه بل هو عندهم بمثابة ما لو رمى رجل درهما لا لغرض ولا لفائدة بل لمجرد قدرته ومشيئته على طرحه فاتفق أن وقع في يد محتاج انتفع به فهذا من شأنه الحكم والمصالح عند المنكرين.

فصل: النوع الرابع عشر إخباره عن صدور الخلق والأمر عن حكمته وعلمه فيذكر هذين الاسمين عند ذكر مصدر خلقه وشرعه تنبيها على أنهما إنما صدرا عن حكمة مقصودة مقارنة للعلم المحيط التام لقوله: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} وقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} فذكره العزة المتضمنة لكمال القدرة والتصرف والحكمة المتضمنة لكمال الحمد والعلم وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وسمع بعض الأعراب قارئا يقرأها والله غفور رحيم فقال ليس هذا كلام الله فقال أتكذب بالقرآن فقال لا ولكن لا يحسن هذا فرجع القارئ إلى خطئه فقال عزيز حكيم فقال صدقت وإذا تأملت ختم الآيات بالأسماء والصفات وجدت كلامه مختتما بذكر الصفة التي يقتضيها ذلك المقام حتى كأنها ذكرت دليلا عليه وموجبة له وهذا كقوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي فإن مغفرتك لهم مصدر عن عزة هي كمال القدرة لا عن عجز وجهل وقوله: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} في عدة مواضع من القرآن يذكر ذلك عقيب ذكره الإجرام العلوية وما تضمنه من فلق الإصباح وجعل الليل مسكنا وإجراء الشمس والقمر بحساب لا يعدوانه وتزيين السماء الدنيا بالنجوم وحراستها وأخبر أن هذا التقدير المحكم المتقن صادر عن عزته وعلمه ليس أمرا اتفاقيا لا يمدح به فاعله ولا يثنى عليه به كسائر الأمور الاتفاقية ومن هذا ختمه سبحانه قصص الأنبياء وأممهم في سورة الشعراء عقيب كل قصة: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فإن ما حكم به لرسله وأتباعهم ولأعدائهم صادر عن عزة ورحمة فوضع الرحمة في محلها وانتقم من أعدائه بعزته ونجى رسله وأتباعهم برحمته والحكمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015