وأما مقتل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وهو يصلي الصبح في جماعة، فلا يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم. رواه مسلم وغيره.
فإن هذا الحديث لا يعني أن من فعل ذلك فهو آمن من وقع الظلم عليه، ولكن معناه أن ظالمه متعرض لعقوبة الله تعالى، قال المناوي في فيض القدير: المعنى أن من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا تتعرضوا له بشيء ولو يسيرا، فإنكم إن تعرضتم يدرككم ولن تفوتوه فيحيط بكم من جوانبكم. اهـ.
وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي: هذه إشارة إلى أن الحفظ سينحلُّ بقصد المؤذي إليه، ولكن الباري سيأخذ حقه منه في إخفار ذمته التي أعلن بها، وهذا إخبار عن إيقاع الجزاء لا عن وقوع الحفظ من الإخفار والإذاية، فلأجل هذا وقع الإخفار وأفادا لحديث التهديد والوعيد والتحذير من أن يقع أحد في ذلك ثم يكون الإقدام والإحجام بحسب القضاء والقدر. اهـ.
وفي تحفة الأحوذي: المراد نهيهم عن التعرض لما يوجب مطالبته إياهم، ومن بمعنى لأجل. اهـ.
وأما سحر النبي صلى الله عليه وسلم، مع قوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ {النحل: 99ـ 100}.
فيستفاد جوابه من رسالة الدكتوراة للدكتور: عبد المحسن المطيري دعاوى الطاعنين في القرآن الكريم: ومن جملة هذه الطعون قول بعضهم: كيف يسحر النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الشياطين لا تسلط على عباد الله الصالحين، كما قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ {الحجر:42} إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ {النحل: 100} فسحر النبي دليل أنه من الغاويين وأنه من الذين يتولون الشيطان. اهـ.
فأجاب الدكتور بقوله: السحر أنواع:
1ـ سحر بالأدوية.
2ـ سحر لا حقيقة له، بل هو خيال أو خفة يد.
3ـ سحر بالاستعانة بالشياطين.
إذن فليس كل أنواع السحر تسلط من الشياطين على المسحور، وذهب بعض العلماء إلى أن سحر النبي صلى الله عليه وسلم من نوع الأدوية، قال ابن حجر: وَاسْتَدَلَّ اِبْن الْقَصَّار عَلَى أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ مِنْ جِنْس الْمَرَض بِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث: فَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّه ـ وَفِي الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ نَظَر, لَكِنْ يُؤَيِّد الْمُدَّعَى أَنَّ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة عِنْد الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِل فَكَانَ يَدُور وَلَا يَدْرِي مَا وَجَعه، وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد اِبْن سَعْد: مَرِضَ النَّبِيّ وَأُخِذَ عَنِ النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشَّرَاب، فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ .. الْحَدِيث، ولو سلمنا أنه من النوع الشيطاني، فليس كل تعرض من الشيطان للإنسان معناه أنه ليس من عباد الله، وفرق كبير بين