التعرض والمحارشة وبين التسلط، ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ـ فكل صالح يتعرض له الشيطان، بل هذه وظيفته في الحياة، وهو أقسم على إغواء بني آدم، ولو سلمنا أن هذا من التسلط فإنه لفترة محدودة ثم بعد ذلك يذهبه الله تعالى ويرجع المسلم إلى حاله الأولى، فهذا آدم عليه السلام أغواه الشيطان حتى وقع في أكل الشجرة، وهذا موسى قتل نفسا بغير نفس فقال: هذا من عمل الشيطان {القصص: 15} ولا يقول أحد أن هذا من التسلط بمعنى التحكم والإغواء والتضليل، بل يبقى آدم وموسى من خير أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. اهـ.
وقال أحد العلماء: لا شك أن إصابة الشيطان للعبد الصالح في بدنه لا ينفيه القرآن، وقد جاء فيه ما يدل على إمكان وقوعها، ومن ذلك ما دل عليه دعاء سيدنا أيوب, على نبينا وعليه الصلاة والسلام {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص:41] إلا أن تأثير السحر لا يمكن أن يصل إلى حد الإخلال في تلقي الوحي, والعمل به, وتبليغه للناس، لأن النصوص قد دلت على عصمة الرسل من ذلك ... انتهى قلتُ والمراد من نفي سلطان الشيطان على المؤمنين هو نفي ما يبلغ به الشيطان مراده من المؤمن وهو الإضلال والله أعلم.
وأما قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا {الإسراء: 82}.
فقد جاء في معناه ما قاله ابن كثير: أي يذهب ما في القلب من أمراض من شك ونفاق وشرك وزيغ وميل، فالقرآن يشفي من ذلك كله، وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة، وأما الكافر الظالم نفسه بذلك، فلا يزيد سماعه القرآن إلا بعدا وكفرا، والآفة من الكافر لا من القرآن، كقوله تعالى: قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد {فصلت: 44}. اهـ.
ثم ليعلم أن القرآن وغيره من أسباب الشفاء والعافية مرتبطة بقضاء الله وقدره، وعلمه وحكمته، فلا يدري المرء متى يحصل الشفاء وإن كان يوقن أن عمله لن يضيع سدى، قال الشيخ مصطفى العدوي في صحيح الرقية الشرعية: قد يتأخر الشفاء لأمر يريده الله سبحانه وتعالى، فهو يعلم ونحن لا نعلم، وقد قال سبحانه: وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة: 216} وقد قال أيضًا: فيكشف ما تدعون إليه إن شاء {الأنعام:41} وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة كانت تصرع: إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولك الجنة ـ فقد يتأخر الشفاء، ويكون في ذلك نوع من أنواع الابتلاء والاختبار، هل يثبت الشخص على إيمانه أم أنه يتجه إلى الشعوذات والخرافات، والسحرة والكهنة، والدجالين والعرافين؟ فهؤلاء الذين يعوذون برجال من الجن يزيدون المريض مرضًا إلى مرضه، وقد قال تعالى: وأنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا {الجن:6}