أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، قال الله عز وجل: له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله {الرعد: 11} قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء القدر خلوا عنه، وقال علي رضي الله عنه: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه.
النوع الثاني من الحفظ، وهو أشرف النوعين: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإيمان. اهـ.
وقال الشيخ عطية سالم في شرح الأربعين النووية: هناك حفظ أعظم منه، فإذا حفظت الله في حقه، وفي أسمائه وصفاته وفي أوامره ونواهيه حفظك أن تهدم ذلك، وحفظك من أن تقع في السوء، وحفظك من أن تحيد عن الطريق، وحفظك على الجادة السوية، وحفظك على الصراط المستقيم. اهـ.
وبهذا يتبين لك بأن المقصود بالحفظ حفظان الأول حفظ مقيد بالمصلحة والعاقبة للعبد والحكمة من الخلق وهو الحفظ الحسي الدنيوي وهذا الحفظ لا يحفظ العبد مما هو حق لا يمكن الفرار منه كالموت أو الأذى الذي لا بد منه لكل من يريد الله ابتلاؤه ليميز الخبيث من الطيب. أما الحفظ الثاني فهو الحفظ الديني من الشبهات المضلة والشهوات المحرمة وهذا الحفظ مطلق لكل من حفظ الله بالتزام شرعه وهذا في غاية الظهور في قصة أصحاب الأخدود، حيث حفظ الله إيمان الغلام وقومه رغم شدة ما وقع بهم من البلاء، وقد قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {آل عمران: 146}.
فمِن حفظ الله لعبده الصالح أنه مع ما يصيبه في سبيل الله لا يهن ولا يضعف، بل يثبت على ما يرضي الله تعالى!!
وأما قوله عز وجل: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ {غافر: 51}.
فقال الماوردي في النكت والعيون: فيه قولان:
أحدهما: بإفلاج حجتهم، قاله أبو العالية. (قلتُ وهذا القول مجمع عليه وثابت لجميع الرسل والأنبياء وأتباعهم وكذلك من نصرتهم ثباتهم على دينهم وعزيمتهم على الرشد.).
الثاني: بالانتقام من أعدائهم، قال السدي: ما قتل قوم قط نبياً أو قوماً من دعاة الحق من المؤمنين إلا بعث الله من ينتقم لهم فصاروا منصورين فيها وإن قُتلوا. اهـ. فنصرة الله تعالى لعباده لا تقتصر على صورة واحدة. انتهى.
وقيل في توجيه الآية الكريمة أن الرسل قسمان: قسم أُمر بالجهاد، فهؤلاء نصرهم الله بالظفر على الأعداء، وقسم لم يُؤمر بالجهاد وأُمر بالصبر، وهؤلاء نُصروا بالحجة الظاهرة وهذه النصرة ثابته لجميع المرسلين والأنبياء والمؤمنين وهذا القول رجحه الشنقيطي رحمه الله صاحب أضواء البيان وقيل بأن المقصود بالحكم بنصر الرسل هو الأغلب.