يريد أن يطمئننا ويثبت قلوبنا بأنه لو فُرض أن الله سيعذب خلقه فلن يكون ذلك إلا بذنوب تستحق ذلك، فليطمئن كل إنسان إلى عدل الله وقدره وحكمته، وأنه لا يعذب أحداً إلا مستحقاً للعذاب، والدليل على دقة هذا الفهم أنه رد على ما حاك في صدر ابن الديلمي من القدر، وأنه ربما فهم من بعض الآيات أن الله يعذب من يشاء أو أن الله قدر كل شيء، وعليه فلا مهرب من قدر الله، فكيف يعذب الله الناس ولا مهرب لهم من القدر؟!!! فجاء الحديث يرسخ عنده وعندنا أنه لو فرض أن الله عذب جميع الخلق فلن يكون ذلك إلا بعد استحقاقهم ذلك بالذنوب , وهو معنى قوله " لعذبهم وهو غير ظالم لهم " ولا يعذب الله من لا يرتكب الذنب ... انتهى).
وقيل بأن معنى الحديث أنه لا ينجو أحد من الخلق بعمله معاوضةً لعظيم فضل الله عليه وفي ذلك يقول ابن القيم في (شفاء العليل): هذا الحديث حديث صحيح، رواه الحاكم في صحيحه، وله شأن عظيم، وهو دال على أن من تكلم به أعرف الخلق بالله وأعظمهم له توحيدا وأكثرهم له تعظيما، وفيه الشفاء التام في باب العدل والتوحيد؛ فإنه لا يزال يجول في نفوس كثير من الناس كيف يجتمع القضاء والقدر والأمر والنهي؟ وكيف يجتمع العدل والعقاب على المقضي المقدر الذي لا بد للعبد من فعله؟ ثم سلك كل طائفة في هذا المقام واديا وطريقا. اهـ.
وذكر كلاما طويلا ومفيدا، ثم أطال النفس في تقرير عظيم إحسان الله إلى خلقه وإنعامه عليهم بما لا يقدرون عن إحصائه فضلا عن شكره وأداء حق عبوديته، وأنه لا ينجو أحد منهم بعمله، ثم قال رحمه الله: فعلم أنه سبحانه لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم ببعض حقه عليهم. اهـ.
وقال في آخر الباب: وسر المسألة أنه لما كان شكر المنعم على قدره وعلى قدر نعمه ولا يقوم بذلك أحد، كان حقه سبحانه على كل أحد وله المطالبة به، وإن لم يغفر له ويرحمه وإلا عذبه، فحاجتهم إلى مغفرته ورحمته وعفوه كحاجتهم إلى حفظه وكلاءته ورزقه، فإن لم يحفظهم هلكوا، وإن لم يرزقهم هلكوا، وإن لم يغفر لهم ويرحمهم هلكوا وخسروا. اهـ.
وقد أجاب الشيخ ابن عثيمين في موضع آخر من (شرح العقيدة السفارينية) عن هذا الحديث فقال: الجواب عنه يكون من أوجه: أولاً: ينظر في صحة الحديث. ثانياً: فإذا صح كان المعنى أن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لكان تعذيبه إياهم في غير ظلم، أي لكان تعذيبه إياهم بسبب منهم وهو المعصية. ثالثاً: لو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم، وذلك بأن يقابل إحسانه بإحسانهم، فإنه إذا قابل إحسانه بإحسانهم صار إحسانهم ليس بشيء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحد الجنة بعمله" أي من باب المقابلة، لأن الله لو حاسبنا على