وقال بعض أهل العلم بأن تعذيب المطيع ومن لا ذنب له يعتبر من هذه الحيثية هو من الظلم الذي تنزه الله تعالى عنه وإلا لو عذبه في الدنيا لمقتضى آخر كالابتلاء والاختبار ونحوه فلا يكون ظلماً.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في أحد دروسه:} والمستحيل ما لا يمكن وجوده، والجائز ما يمكن وجوده وعدمه، والواجب ما لا يمكن عدمه، والموجودات إما من قبيل الجائز أو من قبيل الواجب أو من قبيل المستحيل.
ونرجع في استحالة الشيء وعدمه قطعاً إلى الشرع؛ أي إلى الكتاب والسنة، فيما يتعلق بالشرعيات، وإلى الواقع وأهل الخبر فيما سوى ذلك، وإلا لأمكن كل واحد أن يقول: هذا مستحيل، كما قال أهل التعطيل: إن الله مستحيل أن يكون له وجه، ومستحيل أن يكون له يد، ومستحيل أن يكون له عين، وما أشبه ذلك.
لكن الكلام على الواقع، فالمستحيل غير ممكن، والواجب غير ممكن عدمه، والجائز ما أمكن وجوده وعدمه.
ولنضرب لهذا أمثلة: فوجود إله مع الله مستحيل ولا شك، وعدم الله مستحيل، ووجود الله واجب، ووجود الآدمي جائز؛ لأن الله تعالى جائز أن يخلق الآدميين وجائز ألا يخلق، وتعذيب الله سبحانه وتعالى للطائع ممتنع وإن كان يمكن أن يقع، لكنه ممتنع شرعاً، وممتنع عقلاً من وجه آخر، ممتنع شرعاً لأن الله تعالى أخبر أنه لا يظلم أحداً، وتعذيب الطائع ظلم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (طه: الآية112) إذاً فهو مستحيل شرعاً، وهو مستحيل عقلاً بالنسبة لله عز وجل؛ لأن الله منزه عن الظلم لذاته. فإن قال قائل: إنه جاء في الحديث: ((إن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم))، وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لن يدخل أحد الجنة بعمله)) قالوا: ولا أنت؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)).قلنا لا إشكال، أما الأول: فمعناه أن الله لو عذب أهل سمواته وأرضه لعذبهم وهم مستحقون للعذاب، وهو غير ظالم، وهم إنما يستحقون متى خالفوا؛ بترك الطاعة أو بفعل المعصية.
وأما الثاني: فالباء في قوله: ((بعمله)) للمعاوضة، يعني لو رجعنا إلى التعويض لم يدخل أحد الجنة؛ لأن الإنسان لو حُوسب على أدنى نعمة من الله لهلك، لكن برحمة الله سبحانه وتعالى ... انتهى.
ويقول أحد أهل العلم عن ذات الحديث: الإشكال أننا تصورنا أن العذاب كائن قبل العمل والنص لا يدل عليه بل يدل أن العذاب لو كان لكان بعد العمل بدليل قوله لو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام