وجه المناقشة لكان فعلنا للخيرات دَيناً علينا، لأنه هو الذي منَّ علينا بذلك، وحينئذٍ لو عذبنا في هذه الحال أو من هذا الوجه لعذبنا وهو غير ظالم، هذا إذا صح الحديث، وعلى ذلك فلا يكون في هذا إشكال. اهـ.

وقال ابن القيم أيضاً مقرراً هذا المعنى: الصراط المستقيم الذي فطر الله عليه عباده وجاءت به الرسل ونزلت به الكتب وهو أن الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب والعقاب مقتضية لهما كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، وأن الأعمال الصالحة من توفيق الله وفضله ومنه وصدقته على عبده إن أعانه عليها ووفقه لها وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها وحببها إليه وزينها في قلبه وكره إليه أضداها، ومع هذا فليست ثمنا لجزائه وثوابه ولا هي على قدره بل غايتها إذا بذل العبد فيها نصحه وجهده وأوقعها على أكمل الوجوه أن تقع شكرا له على بعض نعمه عليه، فلو طالبه بحقه لبقي عليه من الشكر على تلك النعمة بقية لم يقم بشكرها، فلذلك لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

وقال ابن القيم كذلك في (مفتاح دار السعادة): لو عذب أهل سماواته وأرضه لكان ذلك تعذيبا لحقه عليهم وكانوا إذ ذاك مستحقين للعذاب؛ لأن أعمالهم لا تفي بنجاتهم. اهـ.

وأما ابن رجب فنحا نحوا آخر في (جامع العلوم والحكم) حيث قال: في هذا الحديث نظر، ووهب بن خالد ليس بذلك المشهور بالعلم. وقد يحمل على أنه لو أراد تعذيبهم، لقدر لهم ما يعذبهم عليه، فيكون غير ظالم لهم حينئذ. اهـ.

وعلى هذا يتبين لنا بأن الظلم المنفي عن الله عز وجل والذي حرمه الله على نفسه هو وضع الشيء في غير موضعه، ومنع ذي الحق حقه، كأن ينقص أحداً من ثواب حسناته، أو يحمل أحداً أوزار غيره , وليثق المسلم أن كل مخلوق له حق عند الله عز وجل فسيأخذه لا محالة وهذا متفق عليه بين جميع المسلمين وإن اختلفت مذاهبهم في معرفة وبيان تفصيل هذه الحقوق , ولهذا صدق القائل حين قال:

ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا سعي لديه ضائع.

إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع.

ثم اعلم أخي المسلم بأنه ليس للناس على الله حق إلا ما أحقه الله على نفسه، وقد أحق الله على نفسه لعباده حقوقا كثيرة، منها: حق النصرة للمؤمنين، كما قال تعالى [وكان حقا علينا نصر المؤمنين] ومنها أن لا يعذب من لم يشرك به شيئا، فقد ثبت في ((الصحيحين)) من قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015