أكثر شوقي من الرثاء حتى عيب عليه ذلك فرد عن نفسه مدافعاً:
يقولون: يرثي الراحلين فويحهم ... أأملت عند الراحلين الجوازيا؟
لم يتكسب برثائه ولكنه لم يرث بدافع من الحزن وحده، بل هناك دوافع شتى، كالمجاملة وحب الشهرة, ومرثيوه من طبقات مختلفة, سياسيون وأدباء وأجانب. . ومن خصائص رثائه ضعف العاطفة _ حتى في أبويه _ ثم التفلسف وكثرة الحكم، تقليداً للقدامى. فهو رثاء عقلي واعٍ، يقوم على هذه العناصر مضافاً إليها تعداد المناقب والمآثر, لنستمع إليه يرثي والده فينسى وصف حزنه بهذا التفلسف البارد:
أنا من مات ومن مات أنا ... لقي الموت كلانا مرتين
نحن كنا مهجة في بدن ... ثم صرنا مهجة في بدنين
وتموت أمه وهو منفي فلا يتمالك أن يتخذ من موتها فرصة لمعارضة قصيدة المتنبي في جدلة قافية ووزناً ومعنى، فيصيبه الإخفاق لما يبدو على قصيدته من التقليد الباهت، وبخاصة في الحكمة التي حاول أن يحاكي بها المتنبي، فجاءت فارغة جوفاء أو مسروقة محرفة:
إلى الله أشكو من عوادي النوى سهما ... أصاب سويداء الفؤاد وما أصمى
ولم أرَ حكماً كالمقادير نافذاً ... ولا كلقاء الموت من بينها حتما