إلى حيث آباء الفتى يذهب الفتى ... سبيل يدين العالمون به قدما
زجرت تصاريف الزمان فما يقع ... لي اليوم منها كان بالأمس لي وهما
وهكذا تخون العاطفة شوقياً في رثاء أقرب الناس إليه، فلا ينتظر أن يكون أشد عاطفة في رثاء الآخرين.
ولكن هذا لا يمنعه أن يجعل من بعض مراثيه صوراً بارعة، تهز النفوس بما فيها من قوة الحبك وروعة العبرة، كالذي نجده في رثائه لسعد وعمر المختار والحسين وفوزي الغزى، ولقد يبالغ في بعض هذه المراثي كما يصنع في سعد على طريقة أبي تمام:
شيعوا الشمس ومالوا بضحاها
... وانحنى الشرق عليها فبكاها
ليتني في الركب لما أفلت ... يوشع همت فنادى فثناها
ولكنها مبالغات مقبولة في هذا الموقف، إذ تمثل هول الفاجعة بقائد ركزت عليه الدعاية أنظار مصر والبلاد العربية جميعاً. . ثم يأخذ في تعداد مناقب سعد وأثر موته. . .
طافت الكأس بساقي أمة ... من رحيق الوطنيات سقاها
عطلت آذانها من وتر ... ساحر رن ملياً فشجاها
قدر بالمدن ألوى والقرى ... ودها الأجيال منه ما دهاها
ومن خصائص شوقي في رثائه أنه يتحدث إلى الأموات فيسألهم ويخبرهم، فهو يخاطب الحسين بن علي فيسأله عن السبب الذي دفعه إلى التعاون مع الإنكليز:
قم تحدث أبا علي إلينا ... كيف غامرت في جوار الأراقم
ويسأل رياض باشا عن أسرار الموت:
رهين الزمن حدثني ملياً ... حديث الموت تبد لي العظات
سألتك: ما المنية، أي كأس ... وكيف مذاقها، ومن السقاة!