واصطبغ الشعر كذلك في ألوانه جميعًا بصبغ إسلامي خالص، في معانيه وتعبيراته وألفاظه، تجلت بصورة أوضح فيما حاوله بعض الشعراء الذين تعمقوا روح الإسلام من محاكاة المعاني الإسلامية، والتعاليم الدينية، وآيات الكتاب الحكيم.

واتسم الشعر أيضًا بعدة طوابع شعبية في نصوصه ورواياته، وما دار حول شعرائه من أقاصيص، بفعل اهتمامات أفراد الشعب في المعارك وعلى أطرافها، وتغنيهم بانتصارات المسلمين، ورغبتهم في تصويرها تصويرًا معجبًا، يرضي نوازع الزهو فيهم، وتملق القصاص فيهم هذه المنازع وأرضوها بما زادوه في قصص الفتوح، وما نسبوه إلى فرسانها المشهورين من أفعال، تحولت بسيرهم من الواقع إلى ما يكاد يشبه الأساطير، ونسبته إلى من لم تكن له شهرة بالشعر منهم. وللأسف ضاع جل هذا الشعر ولم يبقَ منه شيء وإن وجدنا أثر هذه التزيدات واضحًا في سير الفرسان ذاتها.

وتخلف عن هذه المعارك بعض أبيات من الشعر، قالتها العصبيات إبان المواقع الفاصلة، من أجل المفاخرة بين أحياء العرب، كالذي حدث في القادسية، من نسبة الشعر إلى الجن، وهذا في حد ذاته يفسر اتجاهًا شعبيًّا إلى إظهار الاهتمام البالغ بهذه الواقعة، ويكشف في نفس الوقت عن ثقافة العامة، وإيمانها بالمتوارثات الشعبية.

ويمثل الشعر الذي لا نعرف له قائلًا قدرًا كبيرًا من شعر الفتح، يعالج كل موضوعات هذا الشعر، وينطبع هذا القدر بطوابع شعبية تتجلى في تغنيه بروح الجماعة، وفي تغني الناس به ترنمًا، وما يبدو فيه من بساطة وسهولة وقرب من الحديث العادي، الذي يدل على أنه شعر عامة الجند، كما يبدو من كثرة الرجز فيه وفي هلهلته وضعفه.

ولا ريب أن قيمة شعر الفتوح تنبع من كونه المتنفس الشعري الوحيد في عصر صدر الإسلام، والتعبير الأدبي الوحيد أيضًا عن الحياة الإسلامية في هذا العصر، بتصويره لتلك الآثار التي تركها الإسلام في نفسية العربي، والتغيير الهائل الذي أحدثته في نفسه وفي أعماله، كما أنه يرسم صورة رائعة لفعل هذه الآثار في الانطلاقة المذهلة، التي تمثلت في الفتوحات الإسلامية. ويرسم صورًا رائعة للفروسية العربية في ملحمتها الخالدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015